بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 نيسان 2019 12:03ص أعمال الفنان صلاح السايس رمزية الربط بين الألوان والأشكال

حجم الخط
تميل الرموز في أعمال «صلاح السايس» (Salah Says) الى الربط بين اللغة التشكيلية والفضاءات التعبيرية المؤثّرة على موضوعية النشاط الذهني المؤدّي الى تحليلات مختلفة، وبطريقة رمزية تكشف عن قيمة الأشكال وحساسية اللون بديناميكية الخيال الفني ووحداته المؤكدة على الدور الإيجابي في لوحاته التي لا يمكن فهمها دون تكرار التأمّلات بعمق تراجيدي، تحدده الظلال والألوان الداكنة، وجمالية الربط بين الألوان والأشكال برمزية تعبيرية رومنطيقية محسوسة بصريا متجاوزة حدود الذاكرة. إذ تبدو لوحاته بسيطة للوهلة الأولى ما لم يغوص الرائي فيها ويتأملها عن كثب. فالأشكال الأكثر تعقيدا يضعها في الظل،   ليؤكد على الاختلافات البصرية بين شكل وآخر. فهل يحاول زرع الأنماط التشكيلية إيحائيا ليحاكي ذاكرة المتلقي من خلال أشكاله ومساحاته، وتفاصيل الألوان التي يتلاعب بها بين حار وبارد وفق إيقاعات الأشكال والربط بين كل ذلك؟
تبرز تقنية ريشته في التنقلات التي يتم فيها صياغة التغيّرات بين الظل والضوء، والتدرجّات الإيقاعية التي ينفّذها، بتناقض يؤدي الى إظهار الاختلافات حتى في النقاط الأساسية التي تتكوّن منها اللوحة، وان توحّدت مع بقية الخطوط وانعكاساتها في ظل الأشكال المتعاكسة في الطول والعرض، والحجم لنشعر ان جمالية اللوحة في الانعكاسات والتناقض والتنافر، وان بدت متذبذبة بين العشوائية والتنظيم، إلا انه يستخرج منها أمكنة الذاكرة وفق حركة المتناقضات وملامحها الفنية. إذ يسعى الى احتواء الشكل لتمثيل مشاعر اللون ومنحه القدرة على التأثير للتعمّق في الحدود بين شكل وشكل، لفهم غرابة الذاكرة وما تستنبشه الريشة من غرائب أمكنة توحي بمختلف الأزمات النفسية التي ترمز إليها الألوان. إذ تتخذ من الأشكال ايقاعات مختلفة لها هي رؤى فلسفية واعية يهرب من خلالها ألي تصوّرات فنية مبنية على ما تنتجه الذاكرة من جمال فني تشكّل فيه الرموز نقطة الارتكاز الأهم. فهل من ثنائية يفصلها عن بعضها البعض في أعماله؟ 
يصوغ السايس حبكة الألوان بتفنيد آسر أو بعلامات استفهام تثير البصر، وتأسره ضمن محاولات يترجم من خلالها خفّة الانسياب الضوئي ما بين المساحة والزوايا في تخيّلات هي كينونة الزمن الذي يحتجزه في الأماكن أو الأشكال وتقاسيمها التي تعصف بالمشاعر، وبتجاذب بين مختلف الأشكال في اللوحة. ليحتجز الحس عند المتلقي، ويفرض عليها مفاتن الذاكرة الخاصة المنبعثة من لوحاته  القادرة على غمرنا بأطياف من رموز تشتدّ وتتراخى لونيا، وان اشتملت على تفاصيل أخرى هي الوعي أو الواقع المرهون للضوء، بانتظار انكشاف الأسرار أو خروجه الى النور. فهل في رسوماته دوامات من ألوان سلبية وإيجابية تتصارع مع بعضها البعض؟ أم هي لغة لصيغ تشكيلية وتراكيب لونية يتحدّى بها ذاته بموضوعية ريشة متناغمة مع أصداء ذاكرته؟
ما بين عناصر اللوحة الجزئية استحضر «صلاح السايس» الشخوص، ولم ينزع عنهم الخطوط الحادة حتى في تفاصيل الأشكال في الوجوه المقتضبة ذات المعاناة المختنقة، والتعابير المشتركة بين الألوان، خاصة القريب والبعيد وقوة الملاحظة في الربط المؤدّي الى عدّة استنتاجات أو قراءات حسّية على غرار الغموض الإنساني المشترك بين الإنسان والمحيط أو بين الرئيسي والفرعي برمزيات ذات هواجس تنضح بالطباع الانسانية والمخاوف، أي مخاوف المستقبل وردّات فعل الحزن والكآبة والرحيل والبقاء والوجع والألم والرفض والقبول، وكل ما يتعرّض له الإنسان وبيئته من أزمات نفسية وجسدية وغيرها اختزلها في لوحات تعتصر الألوان كما تعتصر الأمكنة.
أعمال الفنان «صلاح السايس» (Salah Sayes) من مجموعة متحف فرحات.