ابتكر الفنان ألفرنسي «فيرناند ليجر» (Fernand Léger) شكلا فنيا تكعيبيا أكثر شعبيا ومتحرراً من سلطة التكعيبية نفسها، ومغرما بها في آن لحد الالتزام بالتكعيبية بشكل انعكاسي، ومنحها صفة الـ «بوب آرت» عبر مزيج ذاتي يؤدّي إلى التحفيز لاستكشاف اللقطات الداخلية المحدّدة ضمن الألوان المعينة التي ترمز الى أشياء ندركها من خلال الذاكرة وقدرتها على فهم المساحات التصويرية من خلال الربط أو قوة الملاحظة في فهم الأسلوب الفني التشكيلي غير التقليدي الذي تتقلب معه الريشة دون تقليد للواقع من خلال فكرة التمثيل الفني اللوني المركب بصريا، عبر عدّة مراحل تثير كل منها مسألة ما، إلا انها ثنائية الأبعاد في متخيّلها وحتى مبناها ومعناها، لتصبح نوعا من التفكيك الحسي عبر عدّة مراحل مدروسة بوضوح مع العناصر التي يتمسّك بها «فيرناند ليجر» عبر مستويات مختلفة، وبتأثير جمالي محسوس يقودنا الى تحليلات زمنية ومكانية وتنبؤات مستقبلية، بترميز تكعيبي ابتكاري الإيقاع أو الأحرى متأثّراً بفن الـ «بوب آرت»، لكن بشكل مصقول بعيداً عن التبسيط وباهتمام كبير بالضوء عبر المساحة المحددة لخلق مؤثرات تنبثق عن التجزئة لتكوين عدّة تصوّرات يلتقطها البصر كأداة للتحليل والتأكيد على مسألة العلاقات المتعددة في التكعيبية والتحامها مع عدة مقارنات يعتمدها البصر عبر الفضاءات القائمة على مفهومي التمثيل والواقع غير المرئي أو الافتراضي في أعمال الفنان «فيرناند ليجر» التي تفرض على المتلقّي انعكاسات بمختلف المستويات على صعيد فني تكعيبي وليد فكرة الـ «بوب آرت» وجمالية عوالمه التناقضية. فهل من نمو في الفكرة التكعيبية التي ينطلق منها فيرناند ليجر في لوحاته؟
يعتمد «فيرناند ليجر» على الديالكتيكية اللونية، ومبدا الأجزاء المتناقضة مع الاهتمام بالعنصر الكلي للضوء، وهو وليد التحوّلات المرنة في الخطوط رغم الاحساس بصلاباتها أو تقاطها السريع، إلا انها تتلاحم مع الألوان المتصارعة (بارد وحار)، إذا لا يمكن نفي الحركة عن كل لون وتحوّلاته الحسية في كل مساحة يفرضها، ليبقي على الوثبات التي ترتكز على التوأمة أحيانا، أو الثنائية المتشابهة في بعض منها والمغايرة في البعض الآخر، وبحسم فعلي يؤدّي الى الـ «بوب آرت» وشعبوية الرؤى الناتجة عنه من حيث الدور الفني ومعادلاته في خلق تقاطعات موسيقية تمثل الوعي الموضوعي في هذا الفن تحديداً أو ميزات الأسلوب التكعيبي المتناقض ذاتيا مع نفسه، ليجعلنا نتأرجح بين التمثيلات والتصوّرات والايحاءات الإيجابية التي تحافظ على المذهب الذي ينتهجه «فيرناند ليجر» في لوحاته. فهل من اشكالية تتغنّى بها ريشته التي تُعنى بالمرحلة التكعيبية والصراع معها؟ أم انه يتصارع معها ويتآلف معها بعيدا عن التقليد؟ وهل من فلسفة تكعيبية شعبية يمكن الالتزام بها؟
ما من تراتب في أعمال الفنان «فيرناند ليجر» ولا من عشوائيات تكعيبية، إنما هي نسق فنية قائمة على فكرة قوة الملاحظة السريعة ونظم الأشكال والألوان المتناقضة، وقدرتها علىالتكافؤ فيما بينها من حيث الأحجام والتكرار المرتبط بالجزء والكل، وبالتفصيلات التي تتسم بالمرونة، وان بدت مصقلة بالمعايير، وبتفاوت تتحرر معه الألوان عند ملامسة الفراغات أو عند الاقتراب من الضوء، ليجعل من التكعيبية أنغاما تتولد منها موسيقى بصرية ذات عبارات فنية بارزة لا يمكن للخطوط أن تتناقض معها رغم الصراعات المستحدثة بين التفاصيل أو بين زوايا وزوايا أخرى، وبالتالي يستحدث ذاتيا علاقاته مع الأمكنه من خلال الفن التكعيبي وهيمنته على فكرة الـ «بوب آرت» ومنبع الذاكرة ونشاطه وانعكاسه على المعنى الجمالي في لوحاته.
dohamol@hotmail.com