يضيء الفنان «ماثيو هوارد» (Matthew Howard) على الطرق التشكيلية التي يتم بها الربط بين الحاضر والمستقبل، من خلال فلسفة العلاقة بين الذات والمستقبل من منظور الشكل والمعنى البصري، بتكثيف فني تشكيلي هو تصوير موضوعي تمثيلي متجانس من حيث الإمتداد في المساحات التي تتشكّل، وفق أنظمة تبدو عشوائية للوهلة الأولى، إلّا أنها تمثل بنقاطها الأسس التي ينطلق منها في تكوين الإيحاءات، وفقا لنظرية فنية يؤمن بها، وتقوم على فلسفة العلاقات بدءا من الذات وصولا للآخر الذي يتقدم في العالم وسط العلاقات المتشابكة والمعقدة في آن، كأنها خطوط ملتفة أو أمكنة مزدحمة، وحتى تقنيات التمثيل التشكيلي الخاصة بمنطق التشابه بين العصور كافة، كأنه يرى حضارة مستقبلية تتكوّن في أزمنة ذاتية تميل الى خلق معالم تتشابه مع الماضي والعصور السابقة، إلّا أنها تمثل خاصية بشرية أكثر منها إنسانية، لتبرز مخاوفه بجمالية تتعايش مع الخطوط والألوان والأشكال، وحتى الرموز من منظور الرؤية والتفكير واستخراج الإحساس بالأمكنة وتكوينها بعيداً عن الزمن وقوة تحرير النفس من الهواجس والمخاوف التي تصدر من قوى الخيال، فتتجسّد في لوحات «ماثيو هاوارد» المعرفة البشرية في رسومات ذات قيمة رمزية لحضارات مستقبلية تمكّنه من الوصول إلى حيث تمتد اللوحة. فهل ما يلتقطه من حركة حوله هي تمثيل لضغوط زمنية مستقبلية ستؤثر فعليا على إنسان العصر الحديث؟ أم أن ريشة ماثيو هوارد تمثل فن ما بعد الحداثة وارتباطه بفلسفة الذات والعلاقات بين ما هو سلبي وإيجابي بين البشر؟
تثير ريشة الفنان «ماثيو هوارد» كل ما يتعارض مع الخيال العاطفي الجامح بتمثيله وتجسيده لخلق عدة محاكاة بصرية، ليضع الحقائق وسط التيارات التي يطلقها، كزوبعة يجرّدها من القوة الفكرية التي تضرب الإنسان في حاضره، وهو متجه نحو مستقبل بتعدد بين الأبعاد المرتبطة بالعالم المرئي الأشياء الشبيهة بأفكار الإنسان التي يطلقها في الحياة وفق رؤيته الخاصة، وكأن ما بعد الحداثة هي قصة بصرية يرويها من خلال الخطوط والأشكال، والألوان ببراعة فنية تضعنا أمام أنفسنا، لنتفقد الذات التي تمثل تجريد الكلمات من الأفعال، لتكون حركة قادرة على خلق الأحاسيس من خلال اللون والخطوط فقط، للتفكير بالمسارات التي تتخطى التمثيلات البصرية على أنواعها، لتمنح المتلقّي عدة معاني تسمح بخلق العديد من الروابط بين الواقع والخيال من النواحي الظاهرة والباطنة أو ما بين التخيّل البصري الذاتي والتخيّل الفعلي، المرتكز على مفهوم البيئة المرئية الخاضعة لتمثيل ما يحدث من تجديد عبر الأزمنة بشكل حدسي، مما يجعلنا في تساؤل مستمر هل هذا يمثل تناقض أزمنة أم أمكنة في عصور تتشابه وتتناقض والرؤية واحدة. فهل تتوافق رسومات ماثيو هوارد مع فلسفة الذات بين التصوير الحدسي والتشكيل الفعلي؟ أم أننا أمام نظرية التصور القصدي لهوية الحضارة القادمة في المستقبل؟
تمتلك المعايير الفنية هوية تصويرية تتناسب مع ما نختبره ذاتيا من رؤى بصرية مختلفة تجعلنا ندرك ما يجب أن تكون عليه حال الحضارة البشرية بشكل أساسي وفق قدراتنا الإدراكية والفاعلية المرسومة في لوحات ماثيو كأنها آلة رصد ترصد الموضوعات الملموسة فعليا في الواقع المادي الذي يتخطاه تحليليا واضعا الذات بين التصور والعلاقات لجعل العالم غير المفهوم حاليا صعبا من حيث تعقيدات المستقبل وما ينتج من مخاوف مأخوذة من الأحلام والرؤى والتحليلات وحتى من تعزيز الفرضيات الفنية بمختلف اللوحات أو بمختلف أعماله بشكل عام فهو قادر على امتلاك فهرسة أفكاره بوعي قصدي يتعلق مباشرة بالوعي البصري المرتبط بأحداث المستقبل والبنية البشرية التي تتغذى على منبع الوعي عند الفنان تحديدا بشكل خاص وهو العقل والحس والادراك والذي يتمثل بالتمثيلات التصويرية للعالم المرئي مستقبلا. فهل يخاطب الفنان ماثيو هوارد الآخر من خلال الذات التي تنطلق نحو المستقبل عبر الخط واللون؟