بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 شباط 2020 12:03ص «أم الكل» لـ «جو قديح»: الثورة حاضرة على الخشبة وفي الصالة

لسانها سوط موجع وحركتها لاءمت الممثل شكلاً ومضموناً..

جو قديح متقمّصاً «أم الكل» جو قديح متقمّصاً «أم الكل»
حجم الخط
أطلَّ الفنان «جو قديح» في أعمال كثيرة سابقة ما بين خشبتي «مونو» و«الجميزة»، لكن ما أطلقه يوم السبت في 15 شباط/ فبراير كان مختلفاً جداً، ورغم ما هو متاح من عصبية وصوت عالٍ وجهوزية جمهور الصالة لمباركة ثورة تقيم على بُعد أمتار من مسرح الجميزة، إلاّ أن «قديح» الذي لا تنقصه الشجاعة في نصوصه السابقة، كان مهذباً جداً وهادئاً جداً كما يقتضي عمر السيدة التي يجسّدها، وقال كل شيء لكن بمنطق الواثق وصاحب الحق ومالك الرؤية الشفّافة لغد هذا الحراك الشعبي المبارك الذي لن تهزمه بعض ممارسات الداخلين على مساره النبيل والصادق والقوي، لتقويضه وإنهائه.

لعبها الفنان «قديح» بذكاء، وحصد إصغاء في الصالة، مع تصفيق حاد وضحكات بلغت حد القهقهات لكن على معنى ومغزى ما تناوله، هو قال كل شيء، وكانت رسائله واضحة مع أنه لم يذكر إسماً واحداً صريحاً لمن إنتقدهم بقسوة وعمق، أو الذين بارك تحرّكهم ومدح موقفهم، لكن الحضور أحب الأسلوب المعتمد للتعامل مع الطرفين المتناقضين: ناس الثورة الشرفاء، وراكبي الموجة من الكذبة وواضعي الأقنعة. «جو» لم يتسلّل في «مونولوغه» على الخشبة، بل بالعكس كان هي السيدة العجوز مع حكمة الكبار وشفافية آرائهم، مع قدرة على وضع الأمور في نصابها وبعمق، ولا ندري ما إذا كان هذا الأسلوب بديلاً للمفاتحة بالأسماء والعناوين والتهم، إلتفافاً ربما على إمكانية إزعاج الرقابة التي ندرك هنا سعة صدرها منذ فترة وإفساحها المجال أمام حالات تنفيس عديدة على الخشبات خصوصاً.


قديح قدّم عملاً متكاملاً


لم يحتج كاتب النص ومجسّده ومنتجه ومخرجه لكثير عناء كي يكون العجوز المقنعة «أم الكل». تعابيره، بعض الدسم في صحته، مشيته البطيئة مع الصوت الخفيض والمهارة في قياس نسبة وحجم التجاوب في الصالة، كلها عناصر خدمته بإمتياز في إثارة الحضور إزاء كل الأفكار المطروحة في النص، كان يرمي العبارات على شكل طُعم، فإذا معظم الحضور أصحاب خبرة في الصيد لا بل هم يعرفون بطلهم وحجم مخزونه الفكري، لذا كانت المبايعة على أساس متابعتهم في أشهر الثورة منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لتغريداته على «فايسبوك»، وسرعة إستيعاب ما يريده الآن من مسرحيته في وقت تغيب أسماء مسرحية عديدة عن المنبر الذي يحتاجهم في هذه الآونة بقوة لكي يكونوا مرآة الناس ودليلهم من أجل غد أفضل لشعب تُنهب خيراته علناً واللصوص يحتمون بوقاحة خلف متاريس إلى جانبنا، وبيننا، ولا من يحاسبهم.

لقد كانت «أم الكل» نموذجاً مضيئاً راقياً ونخبوياً، صاغها «قديح» بمسؤولية ووعي ووطنية خالصة، أرادها مادة محترمة تدلّ على الأخطاء وتُعلن ولاءها وحبها ودعمها للثورة النظيفة، وربما أراد في الوقت نفسه رفع قبضة الدعم والتقدير للمرأة بشكل خاص على الدور المثالي الذي لعبته من خلال وقفتها النموذجية في هذه الفترة الحسّاسة من عمر لبنان، فتبرع بتجسيدها على الخشبة ونحن على بُعد أيام من يوم المرأة العالمي، وأسابيع قليلة على عيد الأم، لكن «جو» أعطاها صفة إضافية تستطيع أن تنعم بها كرمز للثورة وكأم لكل الثوار الحقيقيين المنتفضين لتغيير يعطي أجيالنا وطناً عظيماً يظل رافع الرأس بين الأمم، ويستحيل هزيمته مع وجود طاقات شابة وفيّة وشجاعة رفعت الصوت ضد كل الفاسدين وخائني عهد المواطنين والمتطاولين على المقدرات.