بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 أيار 2019 12:48ص «أم زكور» «أم المعارك» وطريق الجديدة.. أوراق منسية من «دفتر أخت الرجال»

«أم زكور» «أم زكور»
حجم الخط
«طريق الجديدة» التي آلت عبر تاريخها الوطني الممتد ان تكون مغايرة عن غيرها من المدن في رؤيتها «القومية» فمنذ خمسينات القرن الماضي، انتجت خطاً عروبياً متمسكاً بالبعد المستقبلي لفعل حضاري.

الأمر الذي يُؤكّد مضاء العزيمة وإدارة الفعل ومنهج التطبيق المرتكز إلى رؤية باحثة عن القفز فوق (حواجز التاريخ) النضالي.

وسير الحصاد.. الذي أكّد للأجيال (البيروتية الطالعة) على ان «منطقة طريق الجديدة» التي اطلقوا عليها القاباً عديدة وابرزها: «جبل النار»، في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، بعدما كانت «بيروت» من صنع المحتل الأجنبي ودسائسه.

وإذا كانت مدينة بيروت هي «عبق المكان» بروحه ومكوناته وابناؤها الشباب المهاجرون.. بحثاً عن (الرغيف الأبيض)؟!

يبكون مطارحها الحميمة. وهم يرددون في سرهم: «كان يا ما كان»؟! ويتذكرون ايضاً: «قبضايات بيروت» الأشاوس أمثال محمّد خضر العانوتي، عبيدو الانكدار عم الوزير القاضي د. صبحي رجب المحمصاني، عبدالغني دبيبو،عكيف السبع عبد اللطيف النعماني، وغيرهم.

فإن «أخت الرجال» أم زكور التي حملت ألقاباً عديدة في تاريخها الاجتماعي والسياسي والنضالي في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، وجميلة بوحريد، وأحمد بن بيللا ابان ثورة الجزائر. ومن هذه الالقاب: «المرأة الحديدية» أو الفولاذية كما أطلق عليها القبضاي «عادل فاعور» «حارس الرملة البيضاء» في ستينات القرن الماضي من خلال «عرزاله الخشبي» الذي كان ينام فيه؟! ومن جملة الألقاب أيضاً: «أم زكور» أم المعارك، و«أم الفقراء» وكانت «أم زكور» لا سيما في شهر رمضان المبارك: «تحث رايات الموتى يساق الفقراء إلى حتفهم»، ويردد معها اثنان من «اعضاء مجلس قيادتها» البخارية.. تيمناً باسم عائلتها المتواضعة «آل البخاري» على حدّ تعبير ابنتها خديجة البخاري (كورس في اذاعة لبنان) في عهد الوزير عثمان الدنا؟!

وكان انصارها في الطريق الجديدة شركاء استراتيجيين لمكافحة الجوع والفقر.

كانت «أم زكور» قلبها مليء بالحنان وحياتها للفقراء والمعزبين. «أم زكور» «المرأة الحديدية» غريب امرها.. كانت حين تحب فحبها معناه الوفاء، والمضي في طريق العذاب حتى النهاية، والسير «معصوبة» العينين خلف نداء قلبها ليصدق فيها « المثل البيروتي»: «إن مرآة الحب عمياء» على الرغم من انه كثيراً ما يلحق بها من الظلم حين تتهم بأنها تلهث خلف الثراء. والحقيقة ان كثيراً، ما يقتل الحب انسانيتها أيضاً، ويدوس على كرامتها ويبعثر كبرياءها.

وإذا كانت «الام تيريزا» التي زارت «دار العجزة» ودار الأيتام في تسعينات القرن الماضي في «شارع صبرا» حيث تنتشر الاكواخ في محيط دار العجزة في الأزقة الموصلة وخارج كوخ حقير جلست امرأة تحت الشمس هي أم «فقراء العالم» الأم تيريزا قبل ان تطأ قدماها عتبة مبنى دار العجزة وهي ترتدي (الساري الأبيض).

طرقت الام تيريزا أبواب دار العجزة واحاطت بذراعيها القويتين أطفال وامهات واباء الدار..

وإذا كانت «الأم تيريزا» أشهر النساء في الهند، بل في العالم كلّه، بعدما نالت جائزة نوبل في العام 1979. فإن «أم زكور» البيروتية التي نتذكرها من خلال شهر رمضان، هي حبيبة الفقراء والمحرومين وموضع اجلال. ذلك لأنها نذرت نفسها لخدمة المعذبين فسمت فوق العوائق كلها.

كانت تركب الترامواي الدرجة الثالثة وكثيراً ما تراها راكعة تمسح الأرض، وهي تلف عنقها بشال أبيض  لا ترضى عنه بديلاً، وقد طغت أثار الرفق فيه على الحياكة.

كانت ترى في الفقر، ما يعجز عن رؤيته النوفوريش أي (حديثو النعمة) كما كان يقول: عمر الزعني؟!

فهي ترى وحدتهم ومرحهم واستقامتهم وصبرهم.

قالت لي يوماً في «حوار اذاعي» في برنامج (البث المباشر) في اذاعة لبنان: «أني اتوق إلى ان أظهر للناس جميعاً «عظمة الفقراء» لقد طرقت مرّة باب أحد اثرياء بيروت (...)؟! لمساعدة (عائلة جائعة) فاغلق بوجهي الباب؟!».

واليوم نتذكرها جميعاً في شهر رمضان المبارك في «مكافحة الفقر» و45٪ من الشعب اللبناني على خط الفقر.

قبل رحيلها بأعوام (حزيران 1980) دخلت سجون رومية، بعبدا، وبيروت وراحت تحاور بعض السجينات قالت لها احداهن من وراء القبضان: «الشيطان دهس عقلي»، والثانية: «غلاء المعيشة أوصلني عالمخدرات».

والثالثة: «اهلي سلموني حتى بطل اتعاطى»؟!