هو شهر من شهور العام، لكنه ليس شهراً عادياً، قطعة من الزمن يعود خلالها الإنسان إلى ذاته، يغور الضمير وتتغلّب الإيجابيات على السلبيات داخل تلك التركيبة المعقّدة لتعود النفس البشرية إلى ما يجب أن تكون عليه.
فيه وقفات ينظر الإنسان إلى نفسه وغيره، فيستطيع الميسور مساعدة المحتاج، والصحيح معاينة المريض، ويحنّ الأخ إلى أخيه، والجار إلى جاره، والقريب الى قريبه..
في هذا الشهر تكون الرحمة بمعناها الحقيقي.
تسقط الاعتبارات، وتلغى العداوات، ويتجه القلب إلى سكينة ربما يفتقدها في بقية شهور العام.
أيام قد تتكشّف للإنسان فيها عيوبه ويستعرض مثالبه ويسعى إلى الطهر بمعناه العملاني.
ويدرك ان الثروة الحقيقية هي في ذلك الخزين الذي يوفّره إلى نهاية الرحلة التي وان طالت لا تطول.
لرمضان ثقافته..
حتى في تقاليده المتوارثة ثقافة خاصة به..
فالتزاور المنقطع خلال العام يبدو إلزامياً خلاله، وما في ذلك من تقوية للروابط الاجتماعية التي هي أهم أسس البنيان الاجتماعي في أي مجتمع.
فرح الأطفال خلاله له مدلوله الثقافي..
وكأن تراحم الكبار ينعكس فرحاً على الصغار.
مشهد تجمّع العائلات على مائدة الإفطار له ثقافته ونكهته الخاصة، ففي هذا التجمع المفقود أحياناً خلال العام إعادة لشدّ الأواصر وتوطيد اللحمة.
وفي عودة الإنسان إلى ذاته يتغيّر السلوك الذي أحياناً يكون سائداً في غير رمضان.
طبيعة التخاطب يغلبها عنصر الطيبة والمحبة..
ففي غير رمضان تراهم على شراسة وجفاف.
ويأتي رمضان.. فترى الدماثة مجسّدة في الكلام والتصرف..
تبقى النظرة إلى الحاجة..
التكافل الاجتماعي يظهر واضحاً في الشهر الفضيل، فتمتد الأيدي لسد رمق المحتاج على كافة المستويات.
وعادة ما تحلّ في رمضان مشاكل كانت تبدو مستعصية على الحل قبله.
في رمضان يعود الإنسان إلى إنسانيته.
وكأن الغرائز تخمد والأنانية تلغى والجسد يتلاشى والنميمة تختفي، تلك هي ثقافة رمضان التي يتمنى الإنسان لو تستمر على مدار العام وليس فقط خلال شهر الخير.
وكل عام وأنتم بخير.