بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 حزيران 2022 12:00ص أوجاع الشعرية العفوية.. موسى صايغ نموذجاً

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
نادرا ما يعيش الشاعر في سلام مع نفسه، تراه يتناقض مع نفسه، ناهيك عن تناقضاته مع الآخرين. وهو لذلك، يرسم طريق التمرّد، يحدّد طريقه، ويخطو بإتجاه العصيان والتمرّد. ينشد عذاباته اليومية، ويعمل على تسجيلها، بصورة عفوية، ولو في الحد الأدنى من الشعرية.
إنها ثقافة المقهورين والموجوعين في العالم، الذين يذهبون إلى تسجيل أوجاعهم اليومية، بشعرية مبرحة بالآلام. ولا ينفكون عن التغنّي بها، لأنها قلقهم الوطني والإجتماعي. وهكذا يصمم على إغواء أبناء جيله، وأبناء الجيل اللاحق. يحدو أمامهم، كمن يريد أن يحدو للعاصفة، فلا تعرفه، إن كان ملك المقهورين المتوّج بالشعر، أم كان ملك المتمرّدين المنغمس بالقهر والشعر. غير أنه في كلا الحالين، يدعو لثورة الموجوعين والمقهورين، ليس في وطنه، وإنما عبر الإنسانية جمعاء.
لا يشذّ عن الشعراء المقهورين والمعذّبين والمشرّدين: موسى صايغ في ديوانه: «وجدانيات متناثرة. دار فواصل للنشر والطباعة. نصوص/ شارع المقدسي- الحمرا، بيروت. توزيع مكتبة بيسان: 138ص تقريبا»، فهو يروي يوميات وإرتكابات وتمرّدات، أبناء جيله من الشعراء. يعمل على توثيق حياتهم، بـ«الشعرية العفوية»، لأنها بنظره، إنما تمثل وقائع التاريخ نفسه، في معظم الأحوال، يحاول أن يستفيد من تحريضه الشخصي، ليجعل منه مدونات الشعرية المقهورة في نفسه، وفي جميع نفوس أبناء جيله. نستمع إليه يقول في «ص39 - بدري العالي»:
(لأصرخ بالصوت العالي/
وسمّع أهلي وأخوالي
ما بسلّم قلبي الولهان/
 إلا لمحبوبي الغالي)
يكاد يقترب موسى صايغ من أصول «الشعرية العفوية»، بل أيضا من أصول «النثرية العفوية»، يحيث يعتمد التدفق اللغوي والذهني الحزين، وكذلك التداعي التعبيري المنفلت من كل القواعد النثرية والشعرية، وذلك لأجل إطلاق العنان لكلماته ولأفكاره الخام، حتى يحقق التجربة بتحرير الصوت المكبوت في قيعان الأحزان. يقول «ص55»:
(من خنادق المؤامرات تسللوا/ ومن سراديب الظلمات إنتشروا
وبأساليب الكيد والغدر تسلّحوا/ من كل وادٍ عصا... تجمّعوا)
ربما كان موسى صايغ، يعيش الحياة يوما بيوم، لأننا نراه يكتب «مكتوباته»، يوما بيوم، يراهن بكل ما يملك على برهة الإبداع العفوي، حين يكون الإبداع هاجسه اللحظوي. فنرى عوالمه وأفكاره وكذلك معانيه الطليقة، تنبثق بكل قوة من عقله الباطني، فيسرع لإفراغ أحلامه ورغباته، بأقصى حرية. يقول في «ص125»:
(بدري السفر يا رفيقتي/
على فراقك مالي صبر.
بدري الفراق يا شريكتي/
بدري يبعدنا القدر)
مكتوبات، بل وجدانيات موسى صايغ، تشكّل مدى متسعا للمعاني الذهنية والصور الشعرية المتداعية، إنه «الشعر الإسقاطي» في اللحظة الحالمة، يهدم الحدود بين الشعر وبين النثر، فتصير المكتوبات كلها، صفحات طولى أو قصرى، من نثر ومن شعر.
الزمن عند الأستاذ موسى صايغ، يتجمد، أو هو يسيل، حين يكون وجدانه في حالة جمود وإنبهار، أو في حالة إنسياب وإندفاع. يشعر أنه جزء من ثقافة الهامش، والعالم الهائم والمشرّد والنازح واللاجيء، ولهذا يكتب بكل حرية وبلا قيود، لأنه يشعر انه في معركة بلا قيود، تماما، كما هي بلا حدود. نسمعه يقول في «ص128»:
(أنا اللي ما فتحت عيني 
قبل ما شفت كحل عينك
وأنا اللي الحب ما عرفتو
إلا في يوم السعد يوم عرفتك)
ربما كان الشاعر الأستاذ موسى صايغ، من شعراء الكآبة والحزن والسخط، غير أن ذلك يعكس مكتوبات السخط والقهر و«ظل المقاومة». نسمعه يقول في «ص138»:
(فنحن لسنا كمن لا رجاء لهم/
ولسنا بجماعة تدع الأحزان تغزوها
نحن أغصان الكرمة الطيبة/
يحرسها مقويها وحارسها وفاديها)
فالمأساة المهولة التي يعيشها وطنه، تجعله في حالة دائمة مع الصراع النفسي، وهو يكتب لتفنيد الخصومة، بمشاعر رثائية لعوالم منسية، وبنفس الشعرية التي فجرتها البرهة الساخطة، لأن موسى صايغ، إنما هو شاعر البرهة الودود، وشاعر البرهة الساخطة.

أستاذ في الجامعة اللبنانية