بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 تموز 2019 12:31ص إفتتاح كبير لمهرجانات بعلبك مع 150 فناناً يقودهم الرائع «مرسيل خليفة»

«تُصبحون على وطن»: ليلة إستعادية لمنارات أضاءت درب النضال.. وما تزال

حجم الخط
رغم الأجواء السياسية الملبّدة بالتعقيدات والمهاترات والتجاوزات والتي لا يحلو للمتنازعين تفجير مواهبهم في تسميم الأجواء إلاّ في فصل الصيف لضرب آمالنا في مناخ عامر بالمهرجانات وتوافد المصطافين والسياح وأهلنا المغتربين، إفتتحت مهرجانات بعلبك الدولية دورتها الجديدة مع الفنان الكبير «مرسيل خليفة» وعمله المخصص لـ بعلبك «تصبحون على وطن» تُرافقه عزفاً الأوركسترا الفيلهارموني الوطنية بقيادة المايسترو الأمهر والأقوى حضوراً «لبنان بعلبكي»، مع جوقة جامعة اللويزة.

حضر على المنبر التاريخي 150 فناناً، ملأوا كامل المساحة الرحبة أمامنا حتى لم يبق مكان سوى لـ «كاميرامان» خلف جن البيانو العازف الساحر «رامي خليفة» الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل عزفه، هو يفعلها بكل حواسه ويتلقفنا جميعاً مصفقين، وزادت جمالية المشهد عزفاً وحضوراً مع موهبة شابة واعدة جداً من جينات آل خليفة: ساري إبن شقيق مرسيل على التشيللو، ومدى شاسع من الفنانين أعطوا قوة وزخماً وألقاً للمشهد الإبداعي يقوده إثنان، الأول بريشته على أفضل عود الأستاذ مرسيل، والثاني بعصاه ووقفته الأنيقة الواثقة المايسترو لبنان بعلبكي.

صورة كهذه ما كان ممكناً أن تخذل وافدين من أرجاء لبنان وبعض الجوار، في ذهنهم وذاكرتهم صور ناصعة من الدورات الذهبية التي أقيمت بين أحضان هذه الهياكل العريقة في القدم، وكانت لفتة لها قيمتها من الفنان «مرسيل» لكل من مرّوا على هذا المكان ورفعوا من إسمه وأعطوه صفة الخلود، ذكر كثيرين منهم (الأخوان رحباني، صباح، نصري شمس الدين، توفيق الباشا، فيلمون وهبة) وشملت التحية الفنان الكبير عبد الحليم كركلا مع حكاية عن بداية العلاقة معه فنياً، والشاعر الذي وصّفه بالجنون، المبدع المتفرّد «طلال حيدر» مشيراً إلى أن الشاعر الكبير محمود درويش عرّفه عليه في باريس، وكلاهما كانا في مقاعد المتابعين فردّا التحية واقفين، كما حيّا روح إحدى نجمات فرقة كركلا «أميرة ماجد» التي أصيبت وعانت شللاً دائماً خلال الحرب على لبنان، والتحية الأخيرة وجّهها إلى روح الشاعر «خليل حاوي»: «الذي إنتحر عندما رأى أول جندي إسرائيلي في بيروت»، كما حيّا الشاعر المصري الكبير صلاح جاهين الذي عرف شهرة واسعة من أغنياته التي شدا بها عبد الحليم حافظ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

ظلّ الفنان الحاضر دائماً هنا وفي دنيا العرب ومنابر العالم، ممسكاً بالدفة طوال ساعتي الحفل، بدءاً من لفتته الذكية للرسميين الذين يجلسون في المقاعد الأمامية بأن يشاركوا في الغناء «بدنا نسمعكن»، إلى الصوت الذي تحوّل مزعجاً لطائرة الـ «drone» التي تأخذ لقطات من الجو لأي حفل فإشتكى من صوتها المشوّش لما يتم عزفه وغناؤه على المنبر، ولأنها تتحرك آلياً من جهاز أرضي تم رفعها إلى أعلى كثيراً بحيث لم تعد مزعجة أبداً.

عود مرسيل، بيانو رامي، وتشيللو ساري، ثلاث آلات أثرت في سياق ومزاج الحفل، وكان صوت مرسيل وحده يصدح مغنياً بعمق وحرارة وراوياً بإختصار بعض ما أراد توصيله من رسائل، بينما تشارك مع الحضور في غناء (لا تنسى شعب الخيام، ريتا، أمي، منتصب القامة أمشي، إنهض يا ثائر، بغيبتك نزل الشتي، أحمد العربي، يعبرون الجسر، عصفورة، وموال «ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا»).

الكاريسما التي يتمتع بها «مرسيل» على المسرح وكيفية قيادته لمشاعر الجماهير التي أحبته في زمن الحرب ولم تتوقف في زمن السلم عن تقديره وإحترامه، فرضت نفسها في بعلبك 2019 بزخم مضاعف، وحضور لا ينافسه فيه فنان.