بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 حزيران 2021 12:00ص احتفالاً بالعُهدة العُمَرِيَّة في ذكراها السَّنويَّة 1427 هجريَّة و1385 ميلادية أبعادٌ ثقافِيَّةٌ من المَسْجِد الأَقصى

تأسيس في التَّاريخ (الحلقة الأولى)

حجم الخط
أصدر الخليفة عمر بن الخطَّاب، «العُهْدَةَ العُمَرِيَّة»، يوم الأحد الواقع فيه العشرين من شهر ربيع الأوَّل في السنة الخامسة عشرة من الهجرة النَّبويَّة، الموافق الخامس من شهر أيَّار (مايو) في السنة السادسة والثلاثين بعد المئة السادسة من ميلاد السيِّد المسيح؛ وكان هذا الإصدار في مدينة «بيت المقدِس»، التي كانت تُعْرَفُ، وقتذاك بـاسم «إيلياء». 

تسعى هذه السلسلة الرَّباعِيَّة الحلقات، إلى الاحتفال بالذِّكرى السَّنويَّة 1427، وفاق التقويم الهجري، و1385، باحتساب السنة الميلادية، لإصدار الخليفة لهذه «العهدة»؛ وذلك بتبيان بعض الجوانب المنبثقة منها، والمتعلِّقةِ، تحديداً، بموقع «المسجد الأقصى» وبمفاهيم الثَّقافة الإسلاميَّةِ في مجالات «التعامل مع الآخر المختلف دينيَّاً».

يتردَّد بعض كلام، في المرحلة الراهنة، وقد سبق تناقل نُتَفٍ من مثلهِ، في مراحل ومحطَّات سابقة من التَّاريخ، يُشكِّكُ في صحَّة موقع «المسجد الأقصى»؛ وإن كان، مطرحُ هذا المسجد، حقَّا في مدينة القدس من فلسطين، أو في مكانٍ ما في بلاد الحجاز، أو حتَّى في مقامٍ من منازل السَّموات السَّبع، بل ثمَّة من قد يذهب به الظَّنُّ إلى أنَّ المسجد الأقصى ليس سوى مَنْزِلَة مِن عرشِ الله سبحانه وتعالى. يتركَّز المسعى، في هذه الدِّراسة، على نقطتين أساسين؛ إحدهما تعيين موقع المسجد الأقصى، وثانيتهما، استخلاص ما يمكن من الأبعاد الثقافيَّة والدِّينية من هذا الموقع؛ على أن يكون كلَّ هذا منبثقاً من وقائع وأحداثٍ تاريخيَّة وليس ممَّا يمكن أن يعتبر مجرَّد تراثٍ معرِفِيٍّ منقول بالتَّواتر أو ميراثٍ ثقافيٍّ غيبيٍّ غير مؤكَّدٍ موضوعيَّاً. 

الانطلاق، ههنا، من واقعة تاريخيَّةٌ موثَّقة، بزمانِها وأحداثها وأشخاصها وموضوعاتِها وأمكنتها؛ هي حضور خليفة المسلمين، وكان عمر بن الخطَّاب، في السنة الخامسة عشرة للهجرة، الموافقة سنة 636 للميلاد، خصِّيصاً من عاصمة الخلافة الإسلاميَّة، المدينة المنوَّرة، إلى «إيلياء»، وهي مدينة «القدس»، لعقد عهد بينه، بصفته خليفة المسلمين، وبين صفرونيوس Σωφρόνιος: الذي شغلَ كرسي بطريرك الكنيسة الأرثوذكسيَّة في القدس، من سنة 634 للميلاد، وحتَّى وفاته سنة 638 للميلاد.

كانت «إيلياء» هذه، في الأصل، مستعمرة رومانيَّة، أسسها الإمبراطور Pvblivs Ælivs Hadrianvs Avgvstvs هادريان في القدس؛ وتعرف في المراجع التاريخية اللاتينية باسم أيليا كابيتولينا؛ ورغم أنَّها دُمِّرت، بالكامل تقريباً سنة 70 للميلاد، غير أنها ظلَّت تعرف بهذا الإسم رسميّا، ردحاً من الزَّمن، بما في ذلك العصر الأموي.

وجَّهَ الخليفةُ «عمر بن الخطَّاب»، أبا عُبَيْدَة الجرَّاح، على رأس جيشٍ، لفتح مدن بلاد الشَّام، دعوةً لِمَن فيها من ناسٍ إلى الإسلام؛ ومن بين هذه المُدن «بيت المَقْدِس»، التي من أسمائها المشهورةِ، آنَئِذٍ، «إيليَّاء». استعصت «إيلياء» على جيش الجرَّاح؛ إلى أنْ تمَّ التَّوافق، بينه وبين أهلها، بقيادة بطريرك المدينة صفرونيوس، على أن يحضر خليفة المسلمين، بشخصه، إلى المدينة؛ وتكون معاهدة بين الفريقين، ينال فيها السكَّان المسيحيون ضمانةَ أمانٍ لهم، ويحصل المسلمون، بموجب هذه المعاهدة، على مقاليد الحكم في المدينة. انتقل خليفة المسلمين، فور معرفته بهذا التَّوافق، بين الجرَّاح وصفرونيوس، من مقرِّه في المدينة المنوَّرة إلى «إيلياء»، في بيت المقدس.

عقد الخليفة عمر بن الخطَّاب مع البطريرك صفرونيوس، اتِّفاقاً عُرِفَ بـ «العهدة العمريَّة»؛ وفد تمَّ هذا الأمر، وفاقاً للنسخة التي نشـرتـها «بطـريركيـة الرُّوم الأرثوذكس في القدس»، سنة 1953، وهي النَّصُّ المعتمـد حاليَّاً لدى كنيسة القدس الأرثوذكسية؛ بشهادة جمعٍ من المسلمين، من بينهم رهط من صحابة رسول الله، هم خالـد بن الـوليد وعثمان بن عفَّان وسعد بن زيد وعبد الرَّحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان؛ وحصل هذا، يوم الأحد الواقع فيه العشـرين من شهر ربيـع الأول من السنة 15 للهجـرة النبـويـة، الموافق للخامس من شهر أيَّار لسنة 636 للميلاد.

جرى توثيق هذه العهدة وتحليلها، في عديد من المصادر والأعمال التاريخية الإسلاميَّة والمسيحيَّة، كما في عديد من المؤلفات والدراسات المعاصرة؛ كما وردت، على سبيل المثال، في كتب التاريخ بأكثر من صيغة ونص؛ وتتراوح هذه النصوص، بين قصيرة ومقتضبة؛ ومنها نص اليعقوبي ونص ابن البطريق، أو تأتي مفصّلة، كما في نص ابن عساكر ونص الطبري ومجير الدين العليمي المقدسيِ، وكذلك في نص بطريركيـة الروم الأرثوذكس؛ وقام بدراستها وتحليلها كثر من المعاصرين العرب والأجانب، منهم عارف العارف، في كتابه المفصل في تاريخ القدس، الصادر عن مطبعة المعارف في القدس، سنة 1999؛ وكذلكHava Lazarus-Yafeh في Religious Aspects of Islam مناحٍ دينية من الإسلام، 1981 و Chaim Raphael شايم رافايل، في The Sephardi Story قصة السَّفارديم، سنة 1991. وبغضِّ النَّظرِ عن كلِّ ما يمكن أن يكون، من أقوال واجتهادات وآراء متفاوتة في ما بينها في موضوع العهدة، فثمَّة توافقٌ كلِّي على أمورٍ فيها؛ لعلَّ من أبرزها، حضور الخليفة عمر بن الخطاب، شخصيَّاً إلى القدس؛ وتوافقه، مع البطريرك صفرانيوس، على الحفاظ على ما للنصارى في المدينة من كنائس وبِيَعٍ ودُور عبادة؛ وأنَّ لهم أن يسيروا في شوارعها بمواكبهم حاملين صلبانهم. ولقد بيَّن النَّصُ، الذي نشرته «بطـريركيـة الرُّوم الأرثوذكس في القدس، سنة 1953، للعهدة، ما حرفيَّته، «وليكن الأمان عليهم وعلى كنائسهم وديارهم وكافة زياراتهم التي بيدهم داخلا وخارجاً وهي القيامة وبيت لحم مولد عيسى عليه السلام كنيسة الكبراء، والمغارة ذي الثلاثة أبواب، قبلي وشـمالي وغربي، وبقيـة أجنـاس النصارى الموجودين هناك».

(إلى اللقاء مع الحلقة الثانية: «حُضورُ المسجد الأقصى»)



مكتبة:

{ القرآن الكريم

{ الإنجيل المقدَّس (العهد الجديد)

{ التَّوراة (العهد القديم – التَّناخ)



1) بطريركيـة الروم الأرثوذكس في القدس، نسخة العهدة العمرية التي وزَّعتها البطريركية سنة 1953.

2) جلال الدين السُّيوطي، الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء، دار الحديث - القاهرة، طبعة سنة 1988.

3) الحافظ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المطبعة السلفية ومكتبتها – القاهرة، الطبعة الأولى، الجزء 7.

4) عارف العارف، المفصل في تاريخ القدس، مطبعة المعارف في القدس، سنة 1999.

5) عبد الله معروف، المدخل إلى دراسة المسجد الأقصى المبارك، دار العلم للملايين - بيروت، 2009.

6) معين أحمد محمود، تاريخ مدينة القدس، دار الأندلس، 1979.

7) نصري سلهب، لقاء المسيحية والإسلام، دار الكتاب العربي - بيروت، 1969.

8) Chaim Raphael, The Sephardi Story: A Celebration of Jewish History, Published by Vallentine Mitchell, 1991.

9) Israel Finkelstein, Amihay Mazar, International Institute for Secular Humanistic Judaism. Colloquium, The Quest for the Historical Israel: Debating Archaeology and the History of Israel, Society of Biblical Literature, Atlanta-U.S.A., 2007, pp. 103, 116-118, 161.

10) Israel Finkelstein, Neil Asher Silberman,The Bible Unearthed: Archaeology`s New Vision of Ancient Israel and the Origin of Its Sacred Texts, Free Press, New York-U.S.A.,2001, pp. 196-228.

 10) Lazarus-Yafeh, Some Religious Aspects of Islam: A Collection of Articles Jerusalem Studies in Arabic and Islam, Leiden: E. J. Brill, 1981.

search?sa=X&rlz=1C1MSIM_enLB842LB842&biw=1366&bih=625&tbm=bks&sxsrf=ALeKk00G9ktW7mkQhvhyc5uNiAqUYOb8bw:1622786700814&tbm=bks&q=inauthor:%22Lazarus-Yafeh%22&ved=2ahUKEwiUiOTGp_3wAhU7A2MBHQl7DywQ9AgwAHoECAYQBQ»Lazarus-Yafeh, Some Religious Aspects of Islam: A Collection of Articles Jerusalem Studies in Arabic and Islam, Leiden: E. J. Brill, 1981.



أصدر الخليفة عمر بن الخطَّاب، «العُهْدَةَ العُمَرِيَّة»، يوم الأحد الواقع فيه العشرين من شهر ربيع الأوَّل في السنة الخامسة عشرة من الهجرة النَّبويَّة، الموافق الخامس من شهر أيَّار (مايو) في السنة السادسة والثلاثين بعد المئة السادسة من ميلاد السيِّد المسيح؛ وكان هذا الإصدار في مدينة «بيت المقدِس»، التي كانت تُعْرَفُ، وقتذاك بـاسم «إيلياء». 

تسعى هذه السلسلة الرَّباعِيَّة الحلقات، إلى الاحتفال بالذِّكرى السَّنويَّة 1427، وفاق التقويم الهجري، و1385، باحتساب السنة الميلادية، لإصدار الخليفة لهذه «العهدة»؛ وذلك بتبيان بعض الجوانب المنبثقة منها، والمتعلِّقةِ، تحديداً، بموقع «المسجد الأقصى» وبمفاهيم الثَّقافة الإسلاميَّةِ في مجالات «التعامل مع الآخر المختلف دينيَّا»ً.











----------------

* دكتوراه في النقد الأدبي 

من جامعة أكسفورد

(رئيس المركز الثَّقافي الإسلامي)