بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تموز 2021 12:00ص احتفالاً بالعهدة العمريّة في ذكراها السّنويّة: اليهود والقُدْس (4)

حجم الخط
اليهود والقدس:

من المتواتر في الثقافة اليهوديَّة، أنَّ مدينة «القدس»، أصبحت مدينة مقدَّسة، في القرن العاشر قبل الميلاد، بعد أن فتحها النَّبي والملك «داود»، وجعل منها عاصمة لمملكة إسرائيل الموحَّدة. و«مملكة إسرائيل الموحَّدة»، هو اسم أطلقه مؤرخو «التَّناخ» (الكتاب المقدس اليهودي)، استنادًا إلى ما ورد فيه؛ على مملكة «شاول بن قيس»، من سِبْط «بنيامين»، أول ملوك إسرائيل، و«داود», ابن «يسى»، وهو ثاني ملك على «مملكة إسرائيل الموحَّدة»، و«سليمان» ابن الملك «داود» الذي خلفه على عرش بني إسرائيل؛ وتوصف هذه المملكة في سِفري «صموئيل» الأول والثاني، على أنها اتحاد لأسباط بني إسرائيل. ويفرق مؤرِّخو «العهد القديم»، بين «مملكة إسرائيل الموحدة»، و«مملكة إسرائيل الشَّماليَّة»، أو «مملكة إفرايم»، التي انفصلت عنها في مرحلةٍ لاحقة. ومن تحليل نصوص السِّفرين، يقدِّر معظم مؤرِّخي «العهد القديم»، وفاق ما يردِ فيهما، وجود «مملكة إسرائيل الموحَّدة» بأكثر من 100 سنة، أي منذ سنة 1050 ق.م. وحتى سنة 930 ق.م. تقريبا.

تذكر الأدبيَّات اليهوديَّة أنَّ «القدس» كانت تحوي الهيكل الذي بناه «سليمان بن داود»؛ ويسمِّيه اليهود «هيكل سليمان»؛ وإنَّ هذا الهيكل قد هُدِمَ؛ وبني، في وقت لاحق لهدمه، معبد «حيرود»، وهو عينُ الهيكل الذي تذكر أناجيل «العهد الجديد» أنَّ «السيِّد المسيح» لفت فيه، في صباه، أنظار الأحبار إليه، وأثار اهتمامهم وإعجابهم به. وهذا الهيكل، وفاقاً لما يردُ في أناجيل «العهد الجديد»، «متى 21: 12-17، ومرقس 11: 15-19، ولوقا 19: 45-48»، هو حيث طرد «المسيحُ» اللُّصوصَ والتُجَّار والصَّرافين. تجدر الإشارة، كذلك، أنَّ اليهود يتعبَّدون اليوم عند ما يسمُّونه «الحائط الغربي»، وهو ما يعرف، كذلك، باسم «حائط المبكى»، الذي يؤمنون بأنَّه كلّ ما تبقَّى من «هيكل سليمان»؛ كما أنَّه ما تُشيرُ أدبيَّات الثَّقافة الإسلاميَّة، على أنَّهُ «حائط البٌراق»، حيث تذكر روايات «الإسراء والمعراج»، أن النَّبي محمَّد  صلى الله عليه وسلم، ربط دابَّة «البُراق» إليه في ليلة الإسراء والمعراج. 

إنَّ جميع هذه المواقع، التي يعتقد الإسرائيليون بوجودها في «القدس»، قد بُنِيَ القَوْلُ بها، وكما سبقت الإشارة آنِفاً، انطلاقاً من مرويَّات قديمة متوارثة منذ قرون ممهنة في التاريخ، عن مُفَسِّري «التَّناخ»؛ والتي ترى فيه الدِّيانة اليهوديَّةُ وحياً إلهيَّاً مؤكَّداً، معتبرةً ما يُذكرُ فيه، منقولاً مباشرةً من الإله وأنَّه تاريخ صحيح. وكان، في مقابل هذا الأمر، أن شارك البروفيسور «إسرائيل فينكلشتاين» Israel Finkelstein، أستاذ علم الآثار في «جامعة تل أبيب» Tel Aviv University، في تأليف كتاب بعنوان «الكشف عن التَّوراة» (The Bible Unearthed)، جرى نشره في نيويورك، سنة 2001؛ وقد أبدى البروفسور فلنكشتين، في هذا الكتاب شكوكاً كبيرة في مدى تطابق الرِّوايات المحفوظة، فيما ينشر من نصوص للعهد القديم، مع واقع الحفريَّات الأثرِيَّة التي عرفها، وتلك التي أشرف عليها في الأرض المقدَّسة. وأصدر، هذا الباحث في قسم الآثار من جامعة تل أبيب، سنة 2007، مع عالِم الآثار الأميركي، نيل سيلبرمن Neil Asher Silberman، كتاباً نشر، كذلك في نيويورك، بعنوان «البحث عن إسرائيل التَّاريخيَّة» (The Quest for the Historical Israel)؛ وقد أوردَ فيه، أيضاً، تعليقاً مفاجئاً لكثير من العلماء التَّقلديين في عِلم الآثار والتَّاريخ التَّوراتيين، إضافةً إلى لاهوتيي التَّوراة، مفاده «أنَّ الحكَّام القُدامى، والذين عاشوا قبل ذلك بقرون، ومنهم داود وسليمان، كانوا «زعماء قبليين يحكمون من بلدة صغيرة على تل، مع قصر متواضع وضريح ملكي».

انطلقت أعمال الحفر الإسرائيلي على أرض فلسطين، بحثاً عن دلائل أثريَّة عن تراث عمراني وحياتي يهودي، منذ النصف الثاني من القرن التَّاسع عشر؛ غير أنَّ ما جرى حفره، في زمن الاحتلال الإسرائيلي لمدية القدس، بدءاً من أخريات سنة 1967، وحتَّى اليوم، يقدَّر بما يتجاوز جميع ما حصل على أرض فلسطين بِرُمَّتِها، منذ أول حفرية حصلت في القدس، سنة 1863؛ رغم جميع القرارات التي ما انفكَّت تصدر «مجلس الأمن» و«هيئة الأمم المتحدة» و«منظَّمة اليونسكو»، مطالبة بإيقافها. ومع كلِّ هذا، فإنَّ نتائج هذا الحفر، بكافة مناطقهِ وتعدُّدِ أعماقه، لم تُثبت، بصورةٍ علميَّة موضوعيَّة، سوى نتائج نابعة من فرضيَّات خياليَّة غير دقيقة، بل متناقضة فيما بينها؛ إذ منطلق هذه الفرضيَّات لم يكن سوى سوى تفسيرات لبعض ما ورد في التَّناخ (التَّوراة القديمة)، لجمهرة، ما برحت تتزايد، من اللاهوتيين اليهود.

----------------

* رئيس المركز الثقافي الإسلامي