بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 كانون الثاني 2020 12:00ص الأفلام القديمة هي متحف تراثي يشعرنا براحة الزمن

ملصق فيلم «سيبوني أغني» ملصق فيلم «سيبوني أغني»
حجم الخط
تخطّى فيلم «سيبوني أغني» للمخرج «حسين فوزي» الزمن ولا أعرف لماذا شعرت أنه جزء من نافذة إلى الماضي بشخصيات أبطاله، ومنهم الشحرورة صباح والراحلة ماجدة التي أثارني خبر موتها وأعادني الى الذاكرة السينمائية في الماضي حيث انطلقت في صباها وبعيداً عن عيوب تقنيات السينما في الخمسينات، فالتعبير عن العوالم الفنية القديمة والسينما الكلاسيكية هو أمر يستحق المناقشة، وكأن هذه الأفلام القديمة هي متحف تراثي يشعرنا براحة الزمن التي نشأت فيه رغم صعوبة الإنطلاقة الفنية للمرأة يومذاك إلا أن المرأة حافظت فيه على صورة مشرقة ومتحرّرة من الضوابط التي نشهدها اليوم. فمن هو زائر هذه المتاحف القديمة للسينما العربية في الخمسينات؟ وهل أغاني الشحرورة صباح التي لحنها الموسيقي «محمد عبدالوهاب» هي نكهة لبنانية احتفظت بربيع لبنان على خشبة من أرز عابق بصوت شحرورة احتفظت بعمرها وأناقتها واطلالتها من خلال أفلامها وإرثها السينمائي، إلى جانب الفنانة ماجدة التي قامت بدور هند وهي بنت تعشق الفلسفة والشعر والقراءة وعالم الكتب، وترفض عوالم الموسيقى والأغاني والرقص، مما يعكس وجه الزمن الرافض للغناء والموسيقى، وإنما من خلال فكرة بسيطة عالجها الفيلم بتشويق حمل معه حب أهل مصر للبنان، ومجد كازينو لبنان وقدرة اللهجة اللبنانية على اختراق قلوب محبّيها من خلال مربّي «توتة» وأسلوبه الكوميدي الذي لا يخلو من تلميحات سلوكية فنية تربوية بجمالية المتبصّر أو القادر على فتح الإحتفاظ بفترة الخمسينات التي ظهر فيها الفيلم في سينمات مصر. فهل يمكن اعتبار فيلم «سيبوني أغني» إطلالة على عام 1950 وما يحتويه من مميّزات اجتماعية ومكانية؟ أم هو متحف بصري فني احتفظ بالعديد من الصور التي تعيدنا الى الماضي وتجعلنا نشعر أننا عدنا صغارا في زمن الكبار وأمجادهم التي أثبتت أفلامهم أنها لم تكن سينما الوقت الضائع بل بقي الزمن إيجابيا خاصة من حيث المدن اللبنانية كزحلة التي بدأ منها المشهد الأول في المقهى اللبناني.

تغيّرت القيم وتغيّرت معها المفاهيم، فالتسامح بتعليم الموسيقى أصبح مقبولا اليوم والعكس صحيح، وإذا وضعنا قضية المرأة والفن تحت عين الزمن سنجد أنها أستطاعت أن تحتفظ بمكانة كبيرة سينمائيا، خاصة بأدوراها الممزوجة بقوة شخصيتها، وتجعلنا ندرك أن ما قامت به الفنانة ماجدة في دورها هو دور قوي في الماضي، وهو التخلّي عن فكرة الإنقياد الفني من أجل منح حرية الاختيار للفرد في تحقيق ما يصبو إليه من الحياة دراسيا أو أدبيا كان أو فنيا، فالشعر والأدب والفن من عناصر الجمال التي تجعلنا نتأمّل الفضاءات الساحرة الخاصة به بنفس تتشوّق الى خوض رحلة جديدة مع كل فيلم نعود منها بفهم لزمن احتفظ بضوء الماضي الذي كنا نظن أنه شديد التعقيد، بينما هو قائم على المتناقضات الزمنية التي انطلق منها الجيل السينمائي الكلاسيكي في ذاك الزمن أي الخمسينات والآمال القديمة التي كانت مسعى الأفراد في ذلك العصر.

استطاعت السينما المصرية في ذلك الزمن دق الأوتاد الفنية على أرض صلبة ما من تراخي فيها، وإن بدت بعض الأفلام هزيلة تقنيا قياسا لتقنيات السينما اليوم، إلا انك دائما تخرج منها بفكرة اجتماعية أو إنسانية كما في فيلم «سيبوني أغني» القائمة على فكرة «أنه يعيش عنتر بك في لبنان مع ابنته توتة (الشحرورة صباح) التي تهوى الموسيقى والغناء، وصديقتها هند (الفنانة ماجدة) التي تهوى الأدب والفلسفة، تسافران إلى مصر لاستكمال دراستهما، وهناك تستبدل كل منهما شخصية الأخرى لتدرس ماجدة الفلسفة والأدب وتستكمل توتة دراستها بالموسيقى والأغاني ونشعر هنا بفروقات وصرامة المعهد الموسيقى المتشدّد في حرصه على البنات ومن ثم يقابلان الثري (حسني) وصديقه (بندق)، يشاهد (عنتر بك) ابنته مصادفةً في استعراض فتتفق مع (هند) على أن تنتحل كل منهما صفة الأخرى في المعهد الذي تدرس به، مما يؤدّي إلى حدوث المشاكل والمتاعب والعديد من المواقف الطريفة لكل منهما فيفاجأ (عنتر بيه) بأن إبنته (توتة) تعلّمت الموسيقى والغناء، وإكتشف (عبد الستار) والد (هند) أن إبنته قد تعلّمت الأدب والفلسفة، وثار الجميع، وإكتشف (حسني وبندق) تغيّر أسماء الفتاتين وتتوالى الأحداث». وهنا سيطرت الفكرة على بقية أسباب الفيلم وأغانيه التي امتدت مع مدة الفيلم وتطلّعاته التي جعلتنا نتجوّل في لبنان من خلال أغاني صباح، وما مزجته من خلط بين رقيّ الفن وأهدافه ورقيّ الأدب والفلسفة واتجاهاتها، وبالحدود التي وضعها كاتب الفيلم. فهل رؤية الأفلام القديمة تجعلنا نفهم مسألة التطوّر الاجتماعي عبر الأزمنة واكتشاف أهم أسباب التراجع الاجتماعي وأزماته التي نعاني منها اليوم؟