بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 كانون الأول 2020 12:00ص الارتقاء

حجم الخط
التفت إليّ وقال مخترقاً صفو صمت جميل هيمن على جلستنا لدقائق:

- هل قرأت ما كتب زميلك بالأمس؟

أحنيت رأسي بنعم خرساء..

- وهل فهمته؟

كانت الـ (هل) مغمّسة ببحيرة شك في أن يكون عاجزاً عن إستيعاب نص يتضمن طرحاً أو فكرة..

نظرت في عينيه منتظراً استطراده الذي لم يتأخّر..

قال: لقد فهمته من ناحية وأتعبني في أخرى..

كانت مساحة شكّه بقدراته الثقافية لا تزال تغطي جلستنا الحلوة برائحة مؤثرة.

فجأة.. لا أدري لماذا تصوّرته منتصباً بقامته الشامخة أمام طلابه في صفه الجامعي يُحاضر بكل البلاغة والطلاقة والثقة وهم ينظرون إليه ويرون فيه ينبوعاًً للمعرفة والحكمة.

فيتوقف ليقول لهم: لقد عجزت اليوم عن فهم نص لكاتب في مطبوعة ما.

كنت قد شاركته قبل قليل هموم الحياة وأحمالها وعطل المصعد وتسلّق السلالم ومشكلة زيادة ساعات التدريس مع إدارته ومشكلة نوم زوجته المبكر وشراسة بواب البناية التي يقطنها.. فلم أجد مهرباً من مشاركته معضلته الجديدة.

- قلت: لن أعيدك يا صديقي إلى السؤال والجواب إياهما..

لماذا تكتب ما لا تفهم؟

لماذا لا تفهمون ما أكتب؟

لن أعيدك إلى مبدعي الفلسفة الاغريق في سجالات نقاش الباطن والغوص في أعماق العقل.

لن أرجعك إلى جنس الملائكة وهل البيضة أولاً أم الدجاجة..

لن أضعك في متاهات مصيبة الحلاج ومن شابه..

أقول لك: لكل كاتب ومضات تألّق «كبعض» أهل التصوّف والغناء والموسيقى والرسم والشعر.. في هذه الومضات هي لحظات ارتقاء، أوقات سمو وخرق للقشرة الخارجية للعقل الذي يسيّر الإنسان..

في هذه الومضات يكون الكاتب إنساناً آخر، مختلفاً تماماًً، مميّزاً تماماً، غريباً تماماً، مبدعاً تماماً.

من أجل أن تفهمه عليك أن تستوعب نظرية النسبية فبقدر اقترابك من موقع فكره وتفاعله تفلح، وبقدر ابتعادك تجهل..

رشف قهوته وتلمظ وقال:

- إذن تراها مشكلتي وليست مشكلته؟..

رشفت قهوتي وتلمظت.. وسكت.

لم يبدُ سعيداً، ولم أكن، فالحوار المبتور شجرة عاقر.