بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 كانون الثاني 2023 12:00ص البساطة والكتابة!

حجم الخط
الأفكار تحرّك ريشة الكاتب فيكتب، هكذا بكل بساطة. وان أجمل منعطف للعبارات وأروع تحليق في الخطابة والكلام، لا يوجبان كبير عناء عندما يحضر التفكير الواضح الجليّ الذي تكلم عليه الفيلسوف ديكارت في القرن السابع عشر. وعندما تبلغ البساطة أوجّها تستحيل أناقة ورشاقة، فيخشع المرء لمعانيها الرفيعة المتدفقة كالشلال فتهزّ منه المشاعر النبيلة.
ان كبريات المفاهيم بسيطة، ومعظمها يمكن اختزاله بكلمة واحدة كالحرية والعدالة والكرامة والواجب والرحمة والأمل. الكلمات خلاصة صافية للأفكار النيّرة. والكاتب أو الصحافي خلق لأداء مهمة قومية جليلة القدر، سلاحها القلم وسيفها لسانه وسراجها عقله المتفتح.
أن نتحدث بأعظم المسائل على نحو سهل ممتنع يقيم الدليل الساطع على تمتعنا بثقافة واسعة وسلامة طوية. وإن لم يتمكن أحدهم من تدوين فكرته على الجزء الخلفي من بطاقتنا الشخصية، يعني ان فكرته ليست واضحة. وبساطة الشخص لا تحول دون تفكيره. انها فن الفن ومجد التعبير ونور الكلمات. أوليست الحقائق البسيطة إنعتاقا من التجريدات التي قد تكون ضرورية من غير أن تكون كافية؟
نسمع كل يوم سيلا جارفا من الأحاديث حول السياسة أو التسويق وهو بعيد كل البُعد عن الحقائق في نسيج حياتنا اليومية. يتصارعون حول أشخاص، ويتناقشون حول أحداث ويتبارزون حول انتماءات وارتهانات، هكذا بلا وثائق دقيقة ولا مسوغ ولا عمق ولا تحديد مفاهيم. في أحسن الأحوال، يقلّدون السفسطائيين الإغريق فيدأبون في استعمال الأقاويل اللفظية المهلهلة الخالية من الرصانة، والمغالطات في الكلام النائية عن الجدّ والغارقة في التصنّع والتذاكي البغيض.
في الخطاب القائم بلا كبير مضمون ما يتنافى وبساطة الكلام الخالي من التعقيد والتضليل وآليات السيطرة على الرأي العام. والشعب يعيش كل يوم تجارب صعبة بتعقيداتها الفوضوية نتيجة تأسيس أسياده لمناخات ومقولات تلائم نزواتهم ومآربهم الشخصية، وباتوا اليوم يفعلون حتى على أنقاض فتات موائد أسيادهم القريبين والبعيدين، هم أيضا... فإلام؟!...

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه