بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الأول 2019 12:00ص التخطيط للمستقبل

حجم الخط
ان التخطيط للمستقبل جزء من عملية صنع المستقبل. والمستقبل في العالم المعاصر للمجموعات المتكتلة المتحدة وليس للطوائف ولا للجماعات ولا للشعوب والأمم المجزّأة الضعيفة. وهنا أريد أن أؤكد بأننا لسنا خائفين على غدنا عندما نتخلّص بفعل نضالنا المرتقب من عقدة الشعور بالنقص ومن عقدة الشعور بتفوّق غيرنا علينا. وعندما نتخلّص من هاتين العقدتين فمن حقنا أن نتحدّى تحدّيات العصر بدلا من أن تتحدّانا. مؤكدين ان هذا ليس بالعسير إذا حللنا العناصر المؤلفة لتلك التحدّيات وعملنا على القضاء عليها بسلاح يقظتنا وتوحيد طاقاتنا وتحفّزنا الى غد أمثل وصيانة مجتمعاتنا، وحمايتها من القوى النافذة اليوم التي تسيطر على المصائر البشرية.

وإن أول ترجمة في هذا السياق هي إدخال النسيج الثقافي في الآلية العامة المتبعة اليوم تحت عنوان «التطبيع» يبدأ بالاقتصاد والسياسة ليصل الى الثقافة لتسهيل عملية التحرّك في مجالات السياسة والاقتصاد. ولن تكون الثقافة، في هذه الحالة آخر الملتحقين بركب التطبيع بل ستكون في طليعة موكبه. وهذا يعني ان الثقافة ستكون أداة وظيفية متقدمة في برنامج إخضاع المنطق للجراحة التي رتّبت لعمليتها القيصرية المعقّدة. لذلك سوف يكون ما يشبه الطلب المتزايد على الرأسمال الثقافي.

لذلك يقتضي رفع درجة التعبئة الفكرية والسياسية والنفسية لمواجهة التطبيع وتحصين الثقافة من مخاطر الاختراق الثقافي الصهيوني، وتطوير قدرتها على ممارسة مقاومة ثقافية فعّالة. وعلينا أن نحشد الكفاءات ونجنّد المهارات، ومن المؤلم أن نرى بعض مجتمعاتنا تهرّب الكفاءات بدلا من أن تحفظ بها. ان البلدان المتقدمة تجتذبهم كما تجتذب أمثالهم من مختلف بلدان العالم لتسهم في تطويرها وإثرائها. إن اغتراباً كبيراً يمكن أن يظهر على نطاق واسع بين المثقفين كلما أخذ وعيهم التقدمي يقترن بالبطالة وفقدان الطمأنينة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية. وان الطبقة المثقفة في الوقت الحاضر تجد نفسها في وضع غير محصّن. إذن لا سبيل لنا إذا أردنا النجاح في معاركنا إلا بمعالجة هذا الوضع وذلك بتأمين الاطمئنان والاستقرار المادي والنفسي والتقدير الأدبي والاعتبار الاجتماعي لرجال الثقافة وأرباب الاختصاص. وأن نوفّر الحوافز الى التجديد والابتكار والإبداع والمناخ المؤاتي لنمو المعرفة والعمل على تملّك الحضارة الحديثة، وحقيقتها هي العلم والتقنية وكذلك الابتعاد عن المساوئ التي تعبث بثقافتنا كالرواج لنفايات الانتاج الثقافي المهيمنة حالياً على بعض وسائل الإعلام المختلفة، وهذا لا ينحصر فقط في انحطاط النوعية وتدنّي القيم الخلقية وسيادة المعايير الربحية ولكن أيضاً بالتخلّف في الأفكار والمضامين والمستوى مما يشكّل عاملا سلبيا تجب مجابهته في مسيرتنا الثقافية.

إن أقسى ما نعانيه في مرحلتنا الحرجة الخطيرة والحاسمة التي نجتازها اليوم هو خطر التحدّي الإسرائيلي. وهذا الخطر لا يمكن أن نجابهه بإنصاف الحلول بل بتعبئة شاملة لكل الطاقات والامكانات البشرية والمادية والثقافية والاقتصادية وتوجيه هذه التعبئة نحو هدف واحد إلا وهو التغلب على هذا التحدّي ضمن خطة واضحة الهدف.