بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2017 12:03ص التراجيديا اليونانية صارت لبنانية وعربية إنسجاماً مع مبدأ «التاريخ يعيد نفسه»

«حرب طروادة» مع «روجيه عساف» ما زالت تتوالد مجازر ومآسي إلى اليوم..

حجم الخط
لا شك أن الكاتب والمخرج و«المعلم» المسرحي «روجيه عساف» يحب التاريخ ويهتم برموزه ربما رغبة في إستطلاع أوضاعنا المعاصرة من خلال تقلبات التاريخ وصيرورته جيلاً بعد جيل، ولأنه يقرأ كثيراً فهو ملمّ بالحقب والأحداث والمفاصل التي ميّزت عصراً عن عصر، وزعيماً عن آخر، طمعاً في إكتساب معلومات أو إستنتاجها في الراهن السيء على قاعدة التاريخ يعيد نفسه.
ولأن الكاتب الخالد الذكر «شكسبير» كتب مسرحيات أرّخت للتاريخ الإنكليزي ومن خلاله العالمي فهو إهتم بسيرته، وأبطاله، وكان آخر ما جسده على الخشبة شخصية «الملك لير» بإدارة «سحرعساف»، أما الإخراج فهو غائب عنه منذ سنوات، وها هو اليوم يقدّم على خشبته مسرح «دوار الشمس» عمله الجديد «حرب طروادة» مع فريق من الممثلين الشباب ملأوا الفضاء المسرحي حضوراً عفوياً، وأداء من دون مبالغة على عادة بعض الرواد في فهمهم المسرحي والأداء المصطنع غير المريح للمتلقي الذي درّب ذوقه الفني على عفوية وتدفق أحاسيس الغربيين من مشاهير الخشبات في أوروبا.
أهم ما في نتاج هذا الفنان المخضرم هو روح الشباب(76 عاماً) التي تسكنه بقوة، بينما تنقلب الصورة أيضاً مع الذين يديرهم من الشباب، إنهم يظهرون في سن الإحتراف، أكبر من أعمارهم التي هم عليها، وبالتالي فالمكسب مضاعف: نطمئن على نشاط المخرج، ونضمن مستقبلاً مشرقاً للشباب، وهنا سر التعاون الذي يبنيه «عساف» مع جيل اليوم، إنه يعطيهم ويأخذ منهم، وتكون الفائدة مضاعفة لنا نحن المتابعين والراصدين. ومع «حرب طروادة» تبدو الصورة معززة بكل الإيجابيات التي مررنا على ذكرها، خصوصاً ذاك الشعور بعمق المشاعر التي تعكس الرباط المتين بين مبدعي هذه الأيام والمواهب التي تحاول العثور على طريقها الصحيح.
«طروادة» و«إسبرطة» مملكتان شغلتا التاريخ بخصوماتهما، وحروبهما التي توالدت حروباً ومآسي، دخل «عساف» على التراجيديات المتوارثة وأسّس نصّه على ثلاث منها (إيفيجينيا في أوليس، والطرواديات، لـ يوروبيديس، وآغاممنون، لـ أسخيلوس)، وتوزع الأدوار دزينة من الممثلين (هادي دعيبس، جوزيف زيتوني، سني عبد الباقي، بشارة عطالله، عبد الرحيم العوجي، باسل ماضي، أحمد غزال، فاطمة الأحمد، نزهة حرب، ماريليز عاد، ضنا مخايل، وسهى نادر) تربطهم حالة واحدة من التماهي مع الفكرة الأساسية، وهي الحرب الطويلة بين المملكتين على مدى عشر سنوات بسبب إقدام أمير طروادي على إختطاف ملكة إسبرطة «هيلينا» (فاطمة الأحمد)، مما أوقع دماراً مشهوداً في طروادة، وأدى إلى مصرع الملك اليوناني «أغاممنون» (سني عبد الباقي)، ومع هذه التطورات عداء مستحكم بين شعبي المملكتين أدّى دائماً إلى إشعال مواجهات دموية بين الطرفين.
تعاون مشهود له لفريق العمل مع المخرج «عساف»، خفف كثيراً من الإرهاق عن كاهل الإنتاج، لتبقى العبرة في النهاية للنتيجة التي إنتهوا إليها، وهي كانت محترمة شيقة ونموذجية، لأن وجود «عساف» يعتبر نوعاً من الضمانة، لأي مشروع وورشة يستفيد منها المشاركون طمعاً في خبرة، ومعايشة تظهر نتائجها في الأعمال التي ينفذها الشباب المستقلون لاحقاً. ومما يعزز القناعة بمثل هذه الفائدة هو الإندفاع عند الأكاديميين للمشاركة في عمل للأستاذ «روجيه».
المسرحية مستمرة حتى 19 تشرين الثاني/نوفمبر على خشبة «دوار الشمس» وهي من ضمن عدد كبير من المسرحيات (لموسم الخريف) التي كانت بدأتها «رلى حمادة» ولو داريت عنك حبي»، يتبعها «ماريو باسيل» بمفاجأة مع المخرج والكاتب غبريال يمين بـ «one angry man» (تبدأ في 9 تشرين الثاني)، ثم «freezer» (الإفتتاح في 23تشرين الثاني/نوفمبر الجاري) لـ «بيتي توتل» إعداداً وإخراجاً.