بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 أيار 2019 12:42ص التربية المدنية والأخلاقية أولاً!

حجم الخط
 مكافحة الفساد والافساد المزمنَين لا يتم عبر اجراءات تقنية قد تكون انتقائية أو كيدية أو عشوائية أو حتى طائفية وعيلية، على وجه حصري.. تنبغي مكافحة الفساد من جذوره أي استئصاله عبر مسعى تربوي - فلسفي لبلوغ شيء من الرقيّ الذهني.

ذهننا نورنا الحقيقي، ولذلك وجب أن يتقدّم نبراسه أمام المرء العاقل فعلاً، ليتمكن من السير في سبيل الرقيّ الحقيقي. وما دام العقل - بما فيه من المبادئ - نورٌ، فمن شأنه أن يدل صاحبه على مصيره، والغاية المتوخاة من حياته، ويعبّد أمامه الطرق المؤدية الى غيره من التقدمات. بلا تقدّم أدبي ليس من تقدّم حقيقي في العلم. التقدّم العقلي هو السير في سبيل الحق، والتقدّم الأدبي هو السير في سبيل الخير. والحال ان مَن أراد أن يقطع شوطاً شاسعاً في طريق الحق، تحتم عليه أن يبلغ حدّاً قصيّاً في جادة الخير. ومن شأن العقل أن لا يتّحد بالحق اتحاداً متيناً إلا إذا كانت الإرادة متصلة بالخير اتصالاً محكماً. لقد ازداد في معظم النفوس تسلط الضلال والشر، فتضاءل نور الحق وتلاشت قوى الخير. زالت الاستقامة من معظم أعمالنا فكادت الإصابة في أحكام العقل تبيد..

حقائقنا المادية مشتتة لا رابط يربطها حتى في أعلى المستويات. لدينا شيء من التقدّم العلمي في بعض جامعاتنا وإنما تزرَع في وسط انحطاط الأخلاق أو ان أصحابها يهاجرون كالطيور التائقة الى التحرّر. ينبغي أن نربّي طلابنا ألا يبغضوا النور وأن يعزفوا عن إخفاء الحق تحت ظلمات الضلال المدلهمة، وما يقال في هذا الشأن عن الأفراد يطلق على الجماعات.

علومنا إنْ هي توافرت، كثيراً ما تحيد عن سبيل الصواب وتبتعد عن غايتها. فعوض أن تكون محجة هداية، تصبح بيداء غواية. علم الماديات الذي قلّما نشارك فيه فعلاً خنق فينا علم الروحيات. التاريخ عينه، سجل الحق ومقرره، أمسى آلة للكذب الذي هو ملح النساء والرجال، و«الشطارة» أصبحت ذكاء وحكمة... بات درس الطبيعة يمحو درس النفس.

ليس اسوأ من الجهل الفاعل وحتى الفلسفة عادمة الذمة والعلم الخالي من الفضيلة، الشرير الجاهل لا يكون إلا شريراً، أما الشرير العالم أو النافذ فهو ضربة بل نقمة على المجتمع، وهو عدو الحق بل هو «قوة» شديدة لنشر الضلال.

كافحوا الفساد خصوصاً بتغيير ذهنيتنا العوجاء الرعناء والازدواجيات القاتلة في المستوى الوطني والأخلاقي ما لم تريدوا أن يبيد تاريخكم الفاسد نفسه على الدوام.