بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الثاني 2021 12:00ص التشويق الدرامي في أعمال الفنان الفرنسي بول دولاروش

من أعماله من أعماله
حجم الخط
يجعل الفنان الفرنسي «بول دولاروش» (Paul Delaroche) من لوحاته واقعا تشكيليا, لتاريخ تم افتراضه حقيقة، إذ تعامل مع الواقع كتاريخ في رسومات تجمع التصوير مع الفن البصري المحاكي للحواس من خلال دقة الاحتواء للشكل الذي يمثل حقبة حسّاسة في حياة الفنان نفسه، بأسلوب فني رومانسي ينتمي الى التشويق الدرامي في الفن التشكيلي، واحتفاظه بالحكايا التاريخية، وتفاصيلها الأكثر دقة مثل قتل أطفال ادوارد حتى الموت عام 1483 بأمر من عمهم، ومثل لوحة اليزابيث الأولى. فالرومانسية القوية في الأسلوب جعلته قادرا على رؤية كل التفاصيل الأخرى بدقة كبيرة، كالأزياء والأدوات المستخدمة في تلك الحقبة التاريخية التي فتحها على سرد بصري يميل الى المسرح والقدرة على جعل اللوحة مشهداً مفتوحا على حقائق تاريخية أدركناها وقرأنا عنها، ومن ثم شاهدناها في لوحات «بول دولاروش» بحس مشهدي يعجّ بالرؤية الحكيمة فنيا، وبقوة السيطرة على الألوان التي تحاكي الطبيعة الفنية لنهج رومانسي كلاسيكي يمنح البصر مفهوما حسيا عن التعبيرات الداخلية لأشخاص رسمهم أو وضعهم ضمن محيط اجتماعي يثير الفضول وبتوافق مع شكسبيريات الزمن الذي غادره الفنان تاركا في لوحاته معايير قادرة على مواجهة التقييم الفني وضمن حبكة الألوان التي تشبه السرد في أي عمل أدبي، فهل يمكن وصف بنية اللوحة داخليا وهي تعج بالمشاعر الإنسانية خاصة لوحة زوجته لويس فيرنيه وهي تحتضر؟

قدّم دولاروش فنا تاريخيا محاطا بالأحداث ولحظاتها المأساوية، والمناهضة لفكره سياسيا واجتماعيا مع الميل الى خلق درامي معظمه عن حيوات الأشخاص الذين رسمهم، وترك من حولهم الكثير من التساؤلات المثيرة لمواضيع الغدر والخيانة والقتل والحروب والانتصار، وما الى ذلك من المواضيع التي رسمها دولاروش كحقيقة تاريخية يمكن الاعتماد عليها بصريا، لخلق مساحات متخيّلة ولإثارة الفضول بعيدا عن التوترات التي تستفز الحواس للمتابعة، وبحيوية الفن التصويري ومعاييره اللونية، كأن الألوان هي أداة التعبير عن الكثير من اللحظات التاريخية الحرجة، وحتى الحركات الاجتماعية، لكنها غالبا لطبقات مخملية في جلوسها وأكلها وحركتها، ضمن الأحجام المدروسة فنيا والمتوازنة مع مقاييس اللوحة بصريا خاصة في البورتريه دون إلغاء الخلفيات التي تشير الى الحقبة ان من خلال الأثاث أو الجدران أو حتى حجم الغرف، وكأنه يجعل من لوحاته مسرحا مفتوحا على التاريخ الذي احتفظ به في لوحات لم تتأرجح فيها النسب الفنية القوية فعليا من حيث التقسيم البصري، والتوزيع الضوئي مع الاحتفاظ بالظل متوازنا، كأنه يخصص لكل لوحة ضوءا مختلفا متأثراً بالحكايا والقصص التي تبقى ضمن العائلات البورجوازية، فهل البورتريه هو ميزة لأشخاص لم يستطع التواصل معهم إلا من خلال الرسم؟

ان سرد الأحداث التاريخية من خلال الفن التشكيلي هي ميزة في لوحات دولاروش، إذ تتمتع بذاكرة شكسبيرية ترتبط بالحقائق التي انبلجت عنها الكثير من القصص الأدبية فيما بعد، لاحياء الماضي عبر حاضر اللوحة التشكيلية، لصنع التاريخ البصري المثبت في دقة المستويات اللونية وتعبيراتها عن الحزن والفرح، والوجع والموت والانتصار مسلّطا الضوء على جمالية التاريخ في الأعمال التشكيلية بأسلوب رومانسي كلاسيكي، لكنه صارم في الخطوط، وبمعنى آخر صارم في استخراج الحس التعبيري من شخوص لوحاته، لنشعر حسيا بشخوصه الذين تتناقض صفاتهم، لانهم غالبا من الطبقة البورجوازية الحاكمة، والقادرة على منح الريشة قدرة على استفزاز البصر، فهل يمكن اعتبار دولاروش رساما بورجوازيا اهتم بالتشويق الدرامي الناتج عن قصص تناقلتها الألسن وعن أشخاص أشكالهم تثير الفضول؟



dohamol@hotmail.com