بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 حزيران 2020 12:00ص الثقافات الإنسانية التراثية في أعمال جوزيف بيويس

من أعماله من أعماله
حجم الخط
يمتلك الفنان الألماني «جوزيف بيويس» (Josef Beuys) الكثير من القدرات التحفيزية بصريا، التي تحتل ميزة حقيقية يخلق من خلالها الكثير من الأشكال المستوحاة من الاساطير، ومن التاريخ القديم، التي تشير الى الكثير من الثقافات الإنسانية التراثية في بعض منها والخرافات في بعض آخر، إلا انه ينتشل من الزمن ما يليق أن يتجدد كفن تركيبي له أهدافه، ويضعه تحت مجهر الفن الحديث ببساطة يؤلف منها عدة مواضيع فنية تثير الكثير من التساؤلات منها عمله المؤلف من غسيل مبلل ودلو من الشحوم ومعدن طويل المزاريب، ليضع المشاهد أمام مشهد من الأشياء التي يعيد لها تاريخها بلقطة تقنية تجعلها ضمن زوايا مفتوحة لفهم الحقبة التي انتشل منها الأشياء. فهل ثقافة الإنسان القديم هي فن تقني يتجدّد مع الإنسان الحديث الذي يبحث في تاريخ أجداده عن ما لا يمكن تصديقه؟

تتراءى منحوتاته المثبتة على ركائز قديمة، وكأنها خرجت من كهف عمره أكثر من مئة ألف سنة وهي مترامية الأطراف تحيط بكومات من الطين المتمثل بحقبة زمنية تتركز قيمتها في الفهم الاجتماعي الفني لها، وأيضا لقدرة عمله التركيبي على تخطّي الزمن والوقوف أمام كل عظمة ببساطة تميل الى الخلق الفني الثري، عبر تاريخ يؤججه برؤيته التي يستعيد من خلالها فترات إنسانية شعبوية مختلطة بالأشياء الاكثر إثارة بصريا، والتي صنعها الإنسان القديم بمعنى آخر إنسان في زمن ما قبل الزمن الذي يعيش فيه «جوزيف بيويس» ولو مثلا أكثر من مئة سنة، ويمكن أن تمتد الى الآلاف، إلا انه يحتفظ بقيمة التوزيع الفني، وبنظرة عالمية عالية تقنيا، لتحاكي كافة الأجيال دون استثناء، وببساطة الفن التركيبي الذي يلجأ إليه، ويتم تصويره من عدة زوايا أو ليكون مبسوطا على أرض المعارض، كلوحة يجمع فيها ما يثير البصر. فهل الفن التركيبي الخاص بجوزيف بيويس يختلف عن أي فن تركيبي آخر لأنه ينتمي الى أزمنة أخرى؟ أم ان أسعاره المرتفعة ومعارضه التي تقام في العالم هي ضمن التراث الإنساني الذي سعى إليه ليضعه ضمن الرؤية الحقيقية للفن وأهدافه.

أعمال فنية تركيبية تبلغ أكثر من 600 قطعة من كافة الأحجام غالبا المتميّزة بخصائص متحررة منها التعبيري أحيانا، ومنها الواقعي بالرغم من القطع الأخرى وقيمتها التاريخية، إلا أنه يؤلف بعض الأعمال التركيبية المتميّزة بالأداء وهو فنان أداء بداية، وقد استطاع استثمار هذه الصفة فيه لتكون ضمن مفاهيمه التركيبية في الفن، وبزهد فني يميل إلى التقارب بين الموجود واللاشيء من الوجود أو الزمن المتلاشي دون الاحساس به، ليعيده من خلال الأشياء المحفورة بالذاكرة، وكأنها ما غادرت الإنسانية التي تتابع كأنها سلسلة يتم تحديث قطعها واحدة تلو الأخرى، وبتنوير فلسفي ذي لغة يغلب عليها الطابع الفيزيائي، وبعقلانية طافحة بالميزات البصرية، كأنه يضعها في أمكنة مهجورة ليعيد من خلالها قصة الحياة أو قصة الإنسان بروحانية الأشياء الجامدة التي حرّكها من قبل، والتي رافقت أصحابها في الحياة اليومية وأصبحت اليوم من القطع النادرة التي حوّلها «جوزيف بيويس» الى مقتنيات في المتاحف والمعارض بأسلوب واعٍ يهدف الى وضع الإنسان الحديث أمام مفهوم حياتي هو لخلق التتابع أو التحديث المستمر في المستقبل والاهتمام بالماضي قدر المستطاع، ليكون النص التاريخي البصري المحمل بالأشياء التي يمكن تحديثها لتكون لغة العصر مع الاحتفاظ بقيمتها الجمالية والحياتية في زمنها الأصلي قبل أن تصبح موضوعا فنيا لـ «جوزيف بيويس».



dohamol@hotmail.com