كثيرا ما يفسد الغرور والاعتداد بالنفس مصداقية أعظم العباقرة. أما التواضع، فيتجلّى مستحبا بمجرد تأثيره الإيجابي فينا. انه يخلق فينا ملكة متنامية لاختبار حميمية ما مع الأرض وبارئها. والثقة بالنفس بعيدة عن الغرور بعد الرغبة في الاكتفاء والقناعة عن جشع التجار الذين يتاجرون في سلع من إنتاج الآخرين في سبيل كسب سهل وسريع.
الغرور أشبه بدرع نحاول أن نحمي بها مساحات مترامية الأطراف. انه في بشاعة اهمال الذات. في بلاد الناس، لا يقرّ لمن يتميّزون بذكائهم الحاد بقدرهم من قبل محيطهم ما لم يظهروا ولو الى حد ما انهم ليسوا فعلا على هذا القدر من الذكاء. وهل يكون الاعتزاز غير تقدير الذات في عمق الأعماق؟ المفارقة ان المصابين بالغرور قلّما يتحدثون عن الآخرين فنرى انهم يتركونهم وشأنهم وقد يناصبونهم بالحقد والكراهية.
المصاب بالغرور السافر يعرف متى تأذّى بجرحه القاتل. يعرج خارج ميدانه فيثير الشفقة في معزل عن كل إمكان إخفاء وتنكّر، في حين ان المعتز بنفسه قد يحمل رايته حتى النهاية. وما إن يغادر ميدانا حتى ينشر رايته في ميدان آخر. لذا، من الصواب أن يعتز المرء بنفسه في قرارة نفسه تماما كما انه من السخافة أن يبالغ في اعتزازه بنفسه أمام الآخرين. وأرجح ان الأولى بكبار مسؤولينا ألّا يستطيبوا الظهور بمظهر الشعبية أو المحبوبية القصوى لئلا يخسروا معارضي نهجهم نهائيا ولان السياسة الفضلى، فضلا عن انها حب ورعاية, هي تنظيم محكم وقوانين صارمة. ليلطفوا حتى آراءهم الحازمة التي تكون تصلبت على مرِّ الزمان فيركزوا على إخلاصهم لكل المواطنين وكذلك صوابهم ومدى عدلهم. هكذا، ترى الناس يقصدونهم حتى إذا ما تخلّى عنهم أقرب المقرّبين إليهم. ذلك انهم يثابرون على جهادهم وحفظ أمانتهم. يتلفظون بكلام هادئ هاد حتى وسط الجحيم التي يعيشون فيها. يسر الناس من نظرتهم الصائبة في هذا المضمار أو ذاك. ونظرتهم الى الناس هي نظرة تنفذ الى أعماق قلوب الناس. هكذا يرحمهم الله رحمة واسعة في يوم الحساب.
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه