يعلم الله انني لست من دعاة القديم، ولا من المتعصبين له، ولكنني من دعاة الأصالة والجمال في الشعر والنثر، وفي كل فن من الفنون، وعمل من الأعمال.
واني لا أعتقد، ان علم العروض، فوق مستوى الظنون والتهم، وانه ليس من الصعوبة والغموض في شيء. فأنا أراهن على اننا نستطيع أن نجعل طالبا متوسط الذكاء، يلمّ بهذا العلم في مدة أقصاها ثلاثة أشهر، ولكننا لا نستطيع على أي حال، أن نجعل غير الشاعر شاعرا، لأن الشعر موهبة وإحساس أولا.
ولعلّه من جحود الفضل، ونكران الجميل، أن نتنكّر لقواعد العروض، وأن ننفي عن الخليل عبقريته، وأن نحطّ من شأن هذا العلم الغزير الواسع، الذي ورد منهله العذب الصافي، أقطاب الشعر العربي الأصيل، منذ صدر الإسلام الى يومنا هذا. ولست أشك، في انه سيغرف من هذا المنهل نفسه، كل من يجيء من شعراء في المستقبل، يحرصون على قدسية علم، لم يأتِ اعتباطا، ولم يرتجل ارتجالا، وإنما جاء نتيجة تفكير عميق، وحساب دقيق، ودراسات طويلة، وتجارب ناجحة. ولهذا بقي منذ أكثر من ألف عام على جدّته وروائه، وسيبقى الى الأبد، كقرص الشمس المتألّقة في علياء السماء، لا تطفئه ريح، ولا يؤثّر فيه نقد، ولا تقوى على إخفاء جماله يدان.
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه