بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 شباط 2023 12:00ص الحائر

حجم الخط
ليس بالضرورة أن يكون الحائر رجلا عُلّق بين أن يتقدم خطوة، أو يتأخّر خطوة، بين أن يأخذ القرار، أو يؤجل أخذ القرار.. ليس بالضرورة أن يكون الحائر إنسانا ضائعا بين أمرين، بين سلوكين، بين طريقين.. ليس بالضرورة، أن يكون الحائر، مسؤولا، لا يعرف، إذا ما كان عليه الجلوس أو الوقوف، البقاء في مكتبه، أو الذهاب إلى بيته، الإستماع إلى نفسه، إلى صوت ضميره، إلى بوح خوالجه، أو الإنتظار قليلا، حتى يسمع الآخرين الذين يحيطون به، إذا ما كان لهم رأي مخالف.
الحائر، يمكن أن يكون فيلسوفا، يشك في كل شيء حتى تستوي له الأمور. يمكن أن يكون طبيبا، يتردد بين هذه النظرية أو تلك. يمكن أن يكون أديبا، شاعرا، مفكرا، فنانا أو مخبريا. الحائر يمكن أن يكون نصا أدبيا، أو نصا فلسفيا، أو نظرية حديثة أو قديمة. الحائر يمكن أن يكون فضاء، وطنا، بلادا، إمرأة، رئيسا، وزيرا، ونائبا عاما.
الحائر، يمكن أن يكون قاضيا، يمكن أن يكون سلكا، يمكن أن يكون زعيما، مسؤولا، كوكبا، طائرا، سمكة، هرة، أو ذئبا، أو حمارا، في حمارة الطريق.
الحائر يمكن أن يكون فصلا، موسما، مدينة، قرية، نهجا، قرارا، إذا كان صاحبه أحوج لإتخاذ القرار. الحائر يمكن أن يكون تلميذا أو طفلا، أو ديكا، أو دجاجة، أو فراشة على زهرة أو جدار. الحائر يمكن أن يكون شعبا ضلّ طريقه بين الشعاب.
الحائر، يمكن أن يكون كل ذلك وأكثر.. غير أنه لا يمكن أن يكون قائدا، لأن القائد من صفاته الكثيرة، أن يكون رجل القرار.
دخل لبنان مرحلة الحيرة القاتلة، بين أن يكون، أو لا يكون. وصل إلى البرزخ الفاصل بين الحياة والموت. الأيام، أخذت تجري به بسرعة مدهشة، حول نفسه، وحول العالم. شعبه حائر. المسؤولون حائرون. صيفه حائر. بحره حائر. جباله حائرة. حتى طقسه، فقد دخلت الحيرة إلى قلبه وبلبلته، وجعلته بين الرطوبة والقيظ والحر الشديد.
ها هي وديانه حائرة. بقرات القرية في التلة البعيدة، في المرج، حائرة هي أيضا. طيوره حائرة. نمله حائر عند الصباح، حين يخرج من وكره. حساسينه حائرة، زقزقاتها، غير مرتاحة لكركرة الينابيع، ولا لهمسات الأنسام، تراها قلقة على المصير.
دخل لبنان البرزخ الفاصل عن الحقبة القادمة. أخذت الثعالب تلاعب خم الدجاجات، تنتظر رائحة الصيصان، تريد أن تقصف عمر الديك، الذي استيقظ باكرا ليصيح للناس، يحثّهم على الخروج إلى الحقول، على السير في الدروب، على تسلق العريشة وشجرة اللوز وشجرة الجوز، وشجرة الدلب التي عربشت عليها، عريشة الجيران.
لا وقت للتفاصيل الدقيقة والصغيرة، في البرزخ الذي يعيش فيه لبنان هذه الأيام، يجب أن نمنع الحيرة من طرق قلبه، من ضرب قلبه، من قتله، قبل الخروج في طلب الحياة.
الحائر اليوم عندنا، هو لبنان.. الحائر الكبير، ينام على همّ، ويستيقظ على هم. ولا يعرف إلى أين المصير. طائر حائر. رجل حائر. شعب حائر. بلاد حائرة. دخلت الحيرة اليوم، إلى قلبه، وهو في البرزخ، ينتظر أي منقلب، ينقلب إليه بعد قليل.

أستاذ في الجامعة اللبنانية