بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 آب 2019 12:03ص الدكتور أنس الراهب لـ «اللـــواء»: «أما الآن فالجرائم السياسية التي ترتكب أصبحت علنية ولن تكون هناك جرائم في الذاكرة»

د. أنس الراهب د. أنس الراهب
حجم الخط
يفاجىء القارئ لكتاب «جرائم في الذاكرة» للدكتور «أنس الراهب» والصادر عن «دار الفارابي» بجرائم الحاضر في الماضي والناتج عنها من تحليلات تعود بذور معادلاتها الى ماضٍ وضعه أمامنا دكتور أنس بأسلوب تحليلي ذي نظرة حديثة بمعنى استقطب من المراجع الكثير من القرارات والأحداث التي أدّت الى وجود الحاضر، كما هو الآن. 

وهذه الجرائم التي تخطّت الخطوط الحمراء كانت بداياتها موزعة على الكثير من القرارات التي كانت تحتاج للمنطق من اتفاقيات وانقلابات وخيانات وانسحابات استمرّت الى الآن بفعل تغلغلها، كنتائج صدرت عن أفعال لم يتم درسها كما يجب أو بالأحرى لم يهتم أصحاب القرارات بالأبعاد التاريخية والمستقبلية لها، فكانت آنية مرتبطة بجرائم مبطنة ومنها القليل الظاهر، إلا ان من يقرأ كتاب «جرائم في الذاكرة» لا بد سيجد أن ما نراه الآن هو انكسارات لبطولات مزيفة في الماضي وهي بالتالي تعتبر كجرائم مسجلة بدقة من الفصل الأول وهو بعنوان سورية الطبيعية خلال الحرب العالمية الأولى الى الفصل السادس وهو بعنوان عودة الحكم المدني في سورية، وبالتالي تكون العناوين ما بينهما هي براهين على جرائم في الذاكرة التي أعطاها الراهب مسافات هائلة بين الحاكم والمحكوم. ومع الدكتور أنس الراهب أجرينا هذا الحوار:

{ الخلاص من اليهود وإبعادهم عن أوروبا هل اعتبرتها نظرة جديدة في تحليل الذاكرة التاريخية؟

- اعتبر الأوروبيون ان وضع اليهود عندهم هو وسيلة لا غاية فتأسيس دولة استيطانية لهم في فلسطين قلب العالم العربي والإسلامي والدفاع عنهم وضمان استمراريتهم يحوّلهم من وظيفة التجارة والربا الى القتال خدمة للغرب خارج حدودهم، ولذلك نجد ان معظم مؤيّدي وعد بلفور بما فيهم بلفور ذاته لا يكنّون الحب والاحترام لهم ويجدونهم عبئا على حضارتهم.

{ هل جمعت المادة التاريخية لخلق استنتاجات جديدة أم هي لإعادة النظر بالمواقف التاريخية التي أدّت الى ولادة الصهيونية وإسرائيل؟

- أدّت هذه الدراسة الى الوصول لاستنتاجات جديدة أدّت الى ولادة الصهيونية وإسرائيل فمثلا: وجدت ان سير حرب ١٩٤٨ وخسارة العرب كانت مؤامرة مدروسة من قبل الغرب والحكام العرب ولذلك نجد ان الجيوش العربية التي دخلت فلسطين كانت بقيادة غلوب باشا قائد الجيش في الأردن بريطاني يهودي.

{ هل تتجدّد جرائم الذاكرة في العصر الحديث بأسلوب آخر؟

- في الماضي كل المخططات والجرائم السياسية يخطط لها وترتكب بشكل سري، أما الآن فالجرائم السياسية التي ترتكب أصبحت علنية ولن تكون هناك جرائم في الذاكرة، بتوقيع وموافقة دولية.

{ اعتمدت في كتابك على مذكرات أكرم حوراني، لماذا؟ 

- هناك مصادر عديدة ومتنوّعة، بلغت أكثر من ٤٠ مرجعا من مؤلفات ودراسات ومذكرات ووثائق رسمية ومقالات وغيره مثل بشير العظمة وخالد العظم وحسن الحكيم وسامي جمعة ونصوح بابيل وهاني الخير وكوبلاند وغيرهم، لكن السبب في كثرة ورود مرجع أكرم الحوراني ان مذكراته بلغت ٤ أجزاء في أكثر من ٣٦٠٠ صفحة.

{ إستنادا لكل هذه المعطيات هل سيحمل االحاضر جرائمه الى المستقبل؟

- ان تمّت مقارنة الأيام الماضية مع الحاضر وما حصل فيها من جرائم سياسية أثّرت على مستقبل الأمة العربية برمّتها، وهذا الكتاب الذي قدّمته جرائم في الذاكرة هو ينطبق على أي دولة عربية أخرى، فالجرائم السياسية التي حدثت في كل دولة من الدول بما فيها سورية نشهد نتائجها الآن، غياب العدالة والحريات، غياب الديمقراطية. هذه الأشياء هي التي أوصلتنا الى ما وصلنا إليها. ولذلك نرى الجرائم التي حصلت في الماضي، الانقلابات، انعدام الحريات، التعامل المشبوه مع الدول الأوروبية، البقاء في السلطة بدعم غربي، إدّت الى تفتت الأوطان ووصلنا الى ما وصلنا إليه، والان إذا أردنا أن نأخذ الوضع في هذا اليوم وما يحدث من جرائم وان كانت ليست في الذاكرة وأصبحت مكشوفة أيضا سيكون لها أثرا مدمرا أكثر مما وصلنا إليه اليوم. أخشى على أوطاننا من زيادة في التمزق والانهيار ولا بد أن أشير الى شيء هام جدا ألاحظه اليوم هو تغييب الدعم الثقافي وتغييب التعليم الحقيقي المستند الى التكنولوجيا والعصرنة الحديثة عوامل مهمة جدا أيضا في تدمير هذه البلاد، وأنا أجد ان هناك شيئا ما مقصود في تهميش الثقافة والتعليم في دولنا العربية، وهذا يزيد كثيرا من تدمير هذه المنطقة وهي أشدّ خطراً من الحروب العسكرية أو حروب العصابات والتدمير العسكري، إذا المستقبل كما في الماضي, الماضي حدثت جرائم سياسية في حق بلادنا ووصلنا الى ما وصلنا إليه واليوم يحصل جرائم لكنها ليست في الذاكرة بل علنية والسلطة السياسية لا تخشى من هذه الجرائم وهي تشكّل خطرا كبيرا في المستقبل.

{ الغموض السياسي هل تفككه أحداث ما يسمّى الربيع العربي والجرائم تكمل مسارها في العصر الحديث وهذا ربما يصيبنا بالسوداوية، ما رأيك؟

- أنا لا أسميه الربيع العربي حقيقة لانه فوضوي وهو أتى من تشتت المواطن العربي واهماله سواء كان فلاحا أو عاملا أو صناعيا أو أديبا أو مثقفا، لكن لا شك ان الجرائم تكمل مسارها في العصر الحديث ولا يعني العصر التكنولوجي أو العصر العلمي في بلادنا نحن أبعد ما يكون عن ذلك ويمكن أن يؤدي الى العمى، فالمواطن العربي يعيش حالة سيئة جدا وهي أشد خطرا بكثير عما كان يعيشه في أيام الستينات والسبعينات على الأقل في ذلك الوقت كان هناك نوعا من التضامن العربي بين الدول وان اعلاميا، كان المواطن يشعر بالارتياح بعض الشيء بالرغم من معرفته بالكذب الإعلامي. نعم نحن أصبحنا في حالة سوداوية وأنا متشائم جدا من المستقبل العربي. المستقبل العربي سوف يكون بدول مفتتة باقتصاد منهار بتحكم مطلق من الدول الغربية على هذه المنطقة أكثر مما كانت في الماضي على الأقل في الماضي كان الغرب يحسب حساب الحدود الدنيا للوضع العربي السياسي والاجتماعي أما الآن انتهى هذا الموضوع نهائيا.