يؤصّل الدكتور «خالد زيادة» كتبه فيمدُّها بالمراجع المهمة التي تجعله يستفيض ويؤكد أفكاره واستنتاجاته، ليطرح مجدّدا تساؤلات تؤدّي الى أبحاث أخرى. فهو يمسك الشعلة ويعطيها لكل قارئ كي يستحث التفكير ويعيد الأفكار الى منبتها كي تثمر في مجالات النقاط التي يضعها، لينطلق منها باتجاهات أخرى من كتابه «تطوّر النظرة الإسلامية» الى «أوروبا والمسلمون والحداثة الأوروبية» وصولا الى كتابه الأخير «المدينة العربية والحداثة». ومعه أجرينا هذا الحوار:
{ عما تبحث في المراجع؟ وكيف تستخدمها؟
- المراجع بالنسبة لكل باحث أمر ضروري من أجل تثبيت أو تأكيد الفرضية التي يضعها لكتابه. وبما أنني أعمل في مجال التاريخ الاجتماعي وتاريخ الأفكار، فإنني بطبيعة الحال ألجأ إلى مراجع كتبها مؤرّخون ولكن ليس المقصود التاريخ الكلاسيكي فحسب وإنما المؤلفات التي تنتمي إلى التاريخ الاجتماعي، وفي هذا المجال لا بد من التنويه بأن كتابة التاريخ قد تطوّرت تطوّراً كبيراً مستفيدة من العلوم الاجتماعية والإحصاء والعمران والاقتصاد... الخ.
لكن بالنسبة لكتابي الأخير فإني عدت فيه إلى أعمال فقهية مثل كتب الحسبة وفقه العمران، ومن جهة أخرى اطّلعت واستفدت من كتب فكرية لمفكرين غربيين بشكل خاص.
{ بالنسبة لكتاب «المدينة العربية والحداثة»، هل حققت أهدافك التي رسمتها في بداية العمل؟
- هذا الكتاب استغرق مني وقتاً طويلاً، وقد ذكرت ذلك في المقدمة، فقد بدأت في جمع مادة الكتاب عن المدينة الإسلامية/ العربية منذ ثمانينات القرن الماضي، وكنت دائماً أجد مراجع جديدة، ولكن المهم أن فكرتي عن الكتاب كانت تتطوّر خلال هذه المدة. كذلك، وهذا ما يحدث عادة، فإن الكتب خلال انجازها، أي اعدادها وكتابتها، تفتح أبواب وأسئلة جديدة. وأستطيع القول بأن كل كاتب لو أتيحت له الفرصة، فإنه سيضيف ويعدّل على ما أنجزه، وذلك لأن لا شيء يمكن أن نعتبره كاملاً وناجزاً وكذلك فإن الكتّاب والباحثين أشخاص متطلّبون لا يتوقف التفكير لديهم عند الانتهاء من العمل الذي بين أيديهم.
{ بين الكتاب والكتاب ما المحطة الدائمة بينهما؟
- الواقع أن الكتاب الأخير أي «المدينة العربية والحداثة»، هو جزء من مشروع يشتمل على كتابين أو ثلاثة كتب أخرى، لهذا فإنني ما أن فرغت من الكتاب حتى بدأت في الإعداد للكتاب الذي أزمع انجازه خلال هذه السنة إذا تضافرت الظروف. وكما هو معلوم فإن الدخول في إعداد بحث كتاب جديد يتطلب فترة من جمع المادة الضرورية.
{ ذكرت أنك بصدد إعداد عدّة كتب ضمن مشروع بحثي، فهل يمكن أن تحدّثنا أكثر عن هذا المشروع؟
- المشروع يتعلق بشكل عام بعلاقة العرب بالحداثة من خلال رصد ما تحقق، والإخفاقات التي نتجت عن أثر الحداثة الغربية على المجتمعات العربية، وقد بدأت بالمدينة وأنوي المتابعة في مجالات الثقافة والسياسة، وهكذا.
{ هل تقصد أن المطلوب هو اتخاذ خطوات أكثر من أجل إستيعاب الحداثة؟
- المطلوب بالنسبة لي هو نظرة نقدية لتجربتنا مع الحداثة، لقد تطرّقت الحداثة إلى كل مفاصل حياتنا ولكن كثيراً ما كان تأثير ذلك سطحياً أو سلبياً، وفي أغلب الأحيان كان ما أنجزناه هو تحديثاً وليس إستيعاباً عميقاً للحداثة.
وقد سبق أن اعتمدت على نتائج أبحاث عالم الأنتروبولوجيا جورج بلانديه الذي راقب كيف أن المجتمعات لديها قدرة على التعاطي مع ما تتعرّض له بفعل الحداثة، فتأخذ بجوانب وتهمل أخرى، وفي أغلب الأحيان فإن البنية التقليدية تملك قدرة على إستيعاب التحديث وإدراجه أو استخدامه في وظائف تقليدية.
والمشكلة اليوم بالنسبة لمجتمعاتنا أن الزمن الذي كانت الحداثة فيه تياراً جارفاً قد تجاوزته التطوّرات على المستوى الإنساني، والحديث يجري اليوم بين المفكرين والباحثين عن: ما بعد الحداثة، بمعنى أن الأفكار الصلبة والتي كانت تدّعي أنها أفكار إنسانية شاملة يجري نقدها. وكأننا دخلنا في زمن أو حقبة لم تعد فيه قيم الحداثة الغربية العائدة للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، هي التي تتحكم بالأفكار والمجتمعات.
إنني في العمل الذي أقوم به لست معنياً بشكل مباشر بالدراسات والأبحاث حول «ما بعد الحداثة»، إلا أنني اشتغل بشكل خاص على اخفاقات التحديث في العديد من المجالات التي تطرّقت إليها.
{ بناءً على ذلك، ترى أين نحن اليوم، إذا أخذنا بالاعتبار ما تسمّيه إخفاقات العرب في إستيعاب الحداثة بل الاخفاقات في التحديث، وإلى أين تسير مجتمعاتنا العربية؟
- إذا نظرنا إلى المجالات التي أردنا فيها تحديث: السياسة والإدارة والتعليم والمؤسسات الخ، نجد أننا لم ننجز ما كان يصبو إليه روّاد النهضة والإصلاح في العالم العربي، ومع ذلك تبقى هناك مسائل على جدول الأعمال، مثل إصلاح التعليم المتدهور، والإرتقاء إلى العمل المؤسساتي في الإدارة والسياسة. كذلك فإن القيم الإنسانية التي ينبغي أن نأخذ بها تبقى هي نفسها، مثل الحرية والمساواة ومكانة المرأة التعددية والعلاقات المتكافئة مع الشعوب والمجتمعات ودول العالم. ولو أن فهمنا للحرية والمساواة وسائر القيم قد تعمّق بفعل تجارب الأمم والشعوب وتطوّر الأفكار الإنسانية.