بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 أيلول 2020 12:00ص الرائد العصامي الشيخ أحمد عباس الأزهري (1853-1926) (الحلقة الحادية عشرة والأخيرة)

«إزدهارُ الكليَّة العثمانيَّة الإسلاميَّة والنَّفي إلى اسطنبول»

الأستاذ الرَّئيس الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري  في المرحلة الأخيرة من عمره الأستاذ الرَّئيس الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري في المرحلة الأخيرة من عمره
حجم الخط
توزَّع البرنامج التدريسي، في «الكليَّة العثمانية»، منذ أن انطلق العمل في رحابها، سنة 1895، وحتَّى نهاية السَّنة المدرسيَّة لسنة 1910، على ثماني سنوات مدرسيَّة. تضمَّنت، هذه السَّنوات الثَّمان، مرحلتين؛ أولاهما «المرحلة التَّمهيديَّة»، وتستغرق أربع سنوات؛ يتلقَّى فيها التَّلميد، فضلاً عن العلوم الدِّينيَّة، مبادئ اللُّغات العربيَّة والفرنسيَّة؛ وثانيهما «المرحلة الاستعداديَّة»، وتمتدُّ الدِّراسة فيها إلى أربع سنوات أخرى، يُحصِّلُ فيها التِّلميذ ما جرى وصفه بـ «العلوم الرَّاقية». («الحقيقة»، العدد 284، 29 أيلول سنة 1910). ولقد وصلت النَّشاطات التَّعليميَّة والتَّربويَّة في «الكليَّة العثمانيَّة»، سنة 1910، بهمَّة الشَّيخ «الأزهري»، الذي كان، حينذاك، في السَّابعة والخمسين من العمر، أي بعد خمس عشرة سنة من انطلاقتها المُتَحدِّية، إلى أن أصبحت مؤسَّسةً تعليميَّة كبرى في مدينة بيروت، وصرحاً تربوياً وثقافِيَّاً وطنيَّاً، يسعى إلى خدمةٍ دؤوبٍ لمجتمعه وبيئته وناسه.

تمكَّنت الكليَّة، في هذه المحطَّة من تاريخها، من إنشاء «النَّادي الثَّقافي»، وجمعيتين أدبيتين، إحداهما تنطق بالعربيَّة والأخرى بالفرنسيَّة؛ فضلاً عن السَّعي التَّعليميِّ في مجالات تعويد الطلاَّب على وضع الأبحاث.

في الميادين العلميَّة والأدبيَّة، كما في تلك الثَّقافيَّة العامَّة؛ مع تدريبٍ لهؤلاء الطلاَّب على أصول «الخَطابة» و«مبادئ المُناظرة». ومن جهة أخرى، فإنَّ إدارة الكليَّة، كانت تُصْدِرُ مجلة المدرسة، كما أنشأت جمعيَّة للخرِّيجين. (الحقيقة: العدد 284، 29 أيلول، 1910).

كان، من ضمن الإنجازات التَّعليميَّة والتَّربويَّة، التي حقَّقها «الأستاذ الرَّئيس»، في هذه الحقبة، أن نالت الكليَّة الاعتراف الرَّسمي بشهاداتها، مِن قِبَلِ السُّلطات العثمانيَّة؛ مع الحقِّ بمعادلة هذه الشَّهادات بتلك الصَّادرة عن الحكومة العثمانيَّة (البيان السنوي، سنة 1912). ولم يقف الأمرُ عند هذا الحدِّ، على الإطلاق؛ إذ استطاع «الأستاذ الرَّئيس» إقامة صلات وديَّة مع بعض أهل الحُكم العُثماني في اسطنبول، ومن أبرزهم «أنور باشا»؛ وكان أنْ خُصَتِ» الكليَّة العثمانيَّة» بمساعدة بقيمة 500 ليرة عثمانيَّة، من الدَّولة؛ ثمَّ ارتفعت قيمة هذه المساعدة إلى 1200 ليرة عثمانيَّة؛ إلى جانب تمكَّن «الأستاذ الرَّئيس» من إعفاءٍ أساتذة الكليَّة مِن «الخدمة العسكريَّةِ».

يبدو أنَّ ما حقَّقته «الكليَّة العثمانيَّة» من إزدهار، ساهم، كذلك، في قيام صلاتٍ لإدارتِها مع «الحكومة الفرنسِيَّة»؛ الأمر الذي حدا بالدَّولة الفرنسيَّة إلى إصدار اعتراف فرنسا بشهادات الكليَّة في المعاهد الحكوميَّة الفرنسيَّة؛ فضلاً عن تخصيص 10 منح تعليميَّة لطلاب الكليَّة. 

شهدت بداية السَّنة المدرسيَّة لسنة 1911، تطويراً وتعميقاً جديدين في «الكليَّة العُثمانيَّة»؛إذ صار اسمها، في هذه المرحلة، «الكُلِيَّة العُثمانيَّة الإسلاميَّة»، كما جرى تعيين مجلس عمدة للمدرسة، مهمَّته مؤازرة رئيسها، «الأستاذ الرَّئيس الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري»، والنَّظر في رقيها ومجاراة روح العصر. ضمَّ مجلس العمدة هذا، مجموعة من أساتذة الكليَّة وخرِّيجيها، ومعهم بعضُ أعيان مدينةِ بيروت. ووفاقاً لما يذكر في محضر جلسة مجلس «عمدة المدرسة»، في يوم الأربعاء، الواقع فيه 11 جمادى الأولى، 1329 هـ./1- أيار 1911، فإنَّ «مجلس العمدة» هذا ضمَّ سبعة عشر عضواً، هم «الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري» و«أحمد حسن طبَّاره»، و«أحمد مُختار بَيْهُم»، و«الدكتور بشير القَصَّار»، و«حَسَن القاضي»، و«حَسَن قُرُنْفُل»، و«رِياض الصُّلح»، و«طه المُدَوَّر»، و«عارف دِياب»، و«عُمر الدَّاعوق»، و«عبد الرّحمن بَيْهُم»، و«عبد الغَني العْرَيْسي»، و«محمَّد الفاخوري»، و«مصطفى الغَنْدور»، و«الشَّيخ مُراد العَريس»، و«توفيق الزهَّار»، و«مسيو فرديناند». 

شهدت سنة 1911، في «الكليَّة العُثمانيَّة الإسلاميَّة»، إنشاء قسم علمي، يمنح شهادة البكالوريا في الآداب والعلوم؛ فامتدَّت سنوات التَّدريس فيها، بعد أن كانت ثمانٍ، إلى عشر. توزَّعت، هذه السَّنوات، على ثلاث مراحل، «الابتدائيَّة»، وتستغرق سنتين دراسيتين؛ و«استعداديَّة»، وتشمل أربع سنوات دراسيَّة؛ وتليها المرحلة الثَّالثة، وهي على مدار أربع سنوات دراسيَّة؛ بما يقود إلى عشرة سنوات، قبل التخرُّج النِّهائي في «الكلية العثمانيَّة الإسلاميَّة». (البيان السَّنوي، سنة 1914، ص. 4). يضاف إلى كلِّ هذا، إنشاء فرع خاص لدراسة العلوم الدينية في اختصاصي التَّدريس الديني والفتيا وآخر لدراسة العلوم التِّجارِيَّة. ولعلَّ في إنشاء القسم المختص بتدريس العلوم الدِينيَّة في مجالي التَّدريس الدِّيني والفتيا، تحديداً، ما كان الدّاَفِع إلى تحويل اسم الكليَّة إلى «الكليَّة العثمانيَة الإسلاميَّة»، وتالياً، إصدار السُّلطة العُثمانيَّة قرار إعفاء تلامذة الكليَّة وأساتذتها العاملين فيها، من الخدمة العسكرِيَة»؛ (البيان السنوي، 1912/ ص. 3-7، ص. 16).

من جهة أخرى، جرى، في هذه السَّنة، 1911، نقل مقرِّ «الكليَّة» من منطقة «برج أبي حيدر»، وثمَّة من يقول أنه كان في الموقع الحالي لخزانات المياه في تلك المنطقة؛ إلى منطقة «رمل الزَّيدانية؛ واستحدث هناك، فيها فرع ليليٌّ داخليُّ؛ فضلاً عن إقامة إدارتِها لعلاقات ثقافيَّة وتربويَّة مع مِصر، «للاطلاع على مناهجها وأساليبها التَّربويَّة»؛ قد وبلغ عدد طلاَّب الكليَّةِ، آنذاك، أكثر من 300؛ وتجاوز عديد أفراد الهيئة التَّعليميَّة فيها 30 معلِّم، من «محليين وأجانب ومن مختلف الطَّوائف الدِّينيَّة». (البيان السنوي، سنة 1912).

يبدو أنَّ سنة 1912، وقد أدرك فيها «الأستاذ الرَّئيس الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري»، الستِّين من سنوات عمره، كانت سنة اكتمال بدر وجوده الشَّخصيِّ ووجود «الكليَّة العثمانيَّة الإسلاميَّة»؛ وكان لا بدَّ لهذا البدر، من أن يدخل في هذه المرحلة، رحلة التناقص والتضاؤل ليصير مُحاقاً. 

حصل أنَّ حكومة الإتِّحاديين، وكما جرت التوسُّع في هذا الأمر في الحلقة العاشرة، قدَّرت أنَّ الاجتماع الذي حصل في بيروت، برئاسة «الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري»، والبيان الذي صدر عن المجتمعين باسم «حركة الإصلاح» أو «اللجنة الإصلاحيَّة»، ليس سوى خيانة للدَّولة العليَّة. قرَّرت الحكومة، مِن ثمَّ، عزل والي بيروت «أدهم بك»؛ معتبرةً أنَّه متعاطف مع «حركة الإصلاح»؛ وعيَّنت «أبو بكر حازم بك»، والياً مكانه. وهكذا، صدر يوم الثُّلاثاء 8 نيسان (إبريل) 1913، قرار الوالي «حازم بك»، بحل «اللَّجنة الإصلاحيَّة»؛ وكانت ردَّة الفعل العلنيَة الأولى على هذا القرار، إعلان اضراب العام؛ فكان أن أمر الوالي، «حازم بك»، بإلقاء القبض على كلِّ من يسعى إلى التَّحريض على الإضراب العام؛ وكان أن ألقت السُّلطات الأمنيَّة القبض على أعضاء من «اللجنة الإصلاحيَّة»، هم «زكريَّا طبَّاره» و«اسكندر عازار» و«رزق الله أرقش» و«سليم طيَّاره» و«مختار ناصر»؛ ولم يلبث أن صدر القرار بإقفال «الكليَّة العثمانيَّة الإسلاميَّة» ونفي رئيس الكلية «الشَّيخ أحمَد عبَّاس الأزهري» إلى اسطنبول، وكذلك ملاحقة بعض أساتذتها وخريجيها؛ ولا ننسَ أن «جمال باشا» قد أصدر لاحقاً، أحكامه بإعدام قسم من هؤلاء الأساتذة والخريجين، على رأسهم «الشيخ أحمد طبَّاره»، و«عبد الغني العريسي» و«عمر حمد».

بقي الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري»، مدَّة في منفاه في اسطنبول، ثم كان له، وقد بلغ السابعة والستين من العُمْرِ، أن ينتصر على تحدي إقفال مؤسسته وعيشه في المنفى، أن يعيد افتتاح الكليَّة، سنة 1929، باسم «الكليَّة الإسلاميَّة».

أقيم سنة 1926، وقد بلغ «الأزهريُّ» الثَّالثة والسَّبعين من العُمر، احتفال وطنيٌّ ورسميٌّ كبيرٍ، في «دار الكُتُبِ الوطنِيَّةِ» في مدينة بيروت؛ لمناسبة مرور خمسين سنة على «اشتغاله بالتَّعليم»؛ كما يذكر الدكتور عمر فرُّوخ، في محاضرة ألقاها في «المركز الثَّقافي الإسلاميِّ» سنة 1982. وكان من ضمن فاعِلِيَّاتِ هذا الاحتفال، تعليق رسم زيتيٍّ لهُ، من وضعِ الفنان «مصطفى فَرُّوخ»، في القاعة الكبرى لتلك الدَّار، إلى جانب رسوم كبار من أهل الثقافة والعِلم والآداب. وما لبث أنْ انتقل الأستاذ الرَّئيس الشَّيخ أحمَد عبَّاس الأزهري»، يوم الأربعاء، الواقع فيه 9 شوال 1345 هـ. 15 كانون الأول 1926م.، إلى جوار ربِّه، في مدينة بيروت، عن خمس وسبعين سنة؛ وصُلِي على جثمانه في «الجامع العمري الكبير» وسار في جنازته أركان العِلم والتَّربية والثَّقافة، وكان دفن جثمانه في «مقبرة الباشورة» في بيروت.



مراجع الحلقة:

- كتاب المركز الثقافي الإسلامي، شخصيات وأعلام من لبنان، بيروت، 2008، محاضرة لعمر فروخ، ص. 152، سنة 1982.

- الكليَّة العثمانيَّة، البيانات السنوية 1912، 1914.

- «الحقيقة»، العدد 284، 29 أيلول سنة 1910.



* رئيس المركز الثقافي الإسلامي