بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 حزيران 2021 12:00ص الروائي أسامة العيسة لـ«اللواء»: مشروعي الروائيّ يقوم على تقديم المكان والإنسان الفلسطينيين

الروائي أسامة العيسة الروائي أسامة العيسة
حجم الخط
يشعُّ خيال الكاتب والروائي أسامة العيسة من حالة تطوّر كتابي دائم خصوصاً في روايته الأخيرة الصادرة (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) وهي بعنوان «الإنجيل المنحول لزانية المعبد» والكتابة بالنسبةِ له، هي مشروع حياة، تتغذى، بشكل دائم على التجارب، والقراءة، والبحث الدائم، عن موضوعات وأشكال تناسبها، وأيضا الخيال. ولا يظن أن الأدب يمكن أن يكون أدباً بدون خيال.تحضر الفانتازيا، في رواياته، حتّى في تلك الأكثرها واقعية، كرواية «جسر على نهر الأردن»، التي تروي حكاية جندي، بحث عن حرب، خلال هزيمة حزيران 1967 المدوية، ولكنه لم يجدها. كان محاصراً بخيانة الأنظمة. ومع الكاتب والروائي أسامة العيسة أجرينا هذا الحوار:

{ الروائي أسامة العيسة والهوية الراسخة في ذهن رواياتك، ما هي؟ وهل ترتكز عربيا على هدف ما؟

- مشروعي الروائيّ يقوم أساساً على تقديم المكان والإنسان الفلسطينيين. لا أظنّ بأنَّ هناك معطىً ثابتاً فيما يتعلق بها وبالهوية. أنا في حالة بحث دائمة عن الهوية، أعتقد أن الهوية هي فعل ديناميكي متحرك، وتحتاج، بشكلٍ دائم إلى اختراع. أنا أنتمي إلى وطنٍ صغير جداً، غيّر ناسه أديانهم، ثلاث مرات على الأقل، خلال 3 آلاف عام، ودخل ناسي في كل دين جديد، بشروطهم غير المعلنة، فنقلوا في كل مرّة، شذراتهم الهوياتية، والدينيّة، والاجتماعيّة إلى موقعهم الدينيّ الجديد. لو تأملنا الاحتفالات والمواسم الربيعية في فلسطين، وخصوصاً في شهر نيسان، يمكننا أن نحلل شذرات الهوية، ونعيدها إلى عصور قديمة جداً.

ما هي الهوية؟ وما هو الوطن؟ يخيّل لي أن الأمرَ له علاقة بالسياسة، والانجازات. خلال قرن، تغيّرت حدود فلسطين، وتشظى ناسها. مرات رأوا أنفسهم سوريين، وفي أخرى نزعوا أكثر نحو العروبة في عزّ النهوض الناصري، رغم خيانات الجيوش العربية في حرب فلسطين. أحاول في روايتي لملمة الخراب.

من نحن فعلاً؟ هل يمكن أن تكون فلسطين، أُحادية الهوية، أظن أنها يجب أن تكون كرنفالاً من الهويات.

{ من «المسكوبية» إلى «الإنجيل المنحول لزانية المعبد» ما الذي تغيّر ولماذا هذا الإنتقال الاسطوري؟

- ربما من الصعب تسميته بانتقال، فأنا دائماً أتساءل، عن هذا الشرق الذي لا يتزحزح، والذي لا يفعل شيئاً غير إعادة إنتاج نفسه، وما يبدو أنها فترات نهوض أو صحو، نكتشف بأنّها لم تكن سوى مراحل شاذة في تاريخ طويل، من الإنحيازات القبلية، والدينية، والعشائرية، أو العصبية - حسب تعبير ابن خلدون. يتخللها القتل والمذابح، وكأنّ تاريخ الشرق، ليس إلّا سلسلة من المذابح، والأديان، والطوائف.

رأيت في كثير من شخصيات العهد القديم النسائية، نماذج لأنواع النساء في شرقنا الحاضر اللواتي يعانين، من وطأة المجتمع الذكوري، دينياً، وجندرياً، واقتصادياً، واجتماعياً.

لم أتخيّل أبداً، في مرحلة النهوض الوطني الفلسطيني، في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، أننا سنشهد في قابل الأيام، كل هذا الكم من الفلسطينيات اللواتي يُقتلن بدواعي الشرف.

في روايتي الأخيرة: الإنجيل المنحول لزانية المعبد (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، عدت لأسطورة يهوذا وتمار، في محاولة للفهم، فهم الحاضر بتناقضاته وعجائبه ومفارقاته. هي مغامرة روائية جديدة، آمل أن يحالفها التوفيق.

{ كاتب وصحفي وروائي، ما هي أهم القضايا التي ما زلت تخاف الخوض فيها؟

- أنا أمارس رقابة ذاتية، على ما أكتبه، وبشكلٍ غير واعٍ، في الرواية أنا أكثر حريّة من الصحافة. في الصحافة، أحاول دائماً الاستفادة من الهوامش المتاحة، أمّا في الرواية، فيمكن للكتّاب خلق عوالم جديدة، كما فعلت مثلاً في رواية «الإنجيل المنحول لزانية المعبد».

الحديث دائماً، لدى الأدباء عن الثالوث المحرّم: السياسة، والدين، والجنس، ولكنني أعتقد أن المسألة تتعلق في كيفية الاقتراب من هذه المحرّمات. القارئ العربي، يتقبّل من الكاتب غير العربي، خدش، وفضح، وتحطيم هذه المحرّمات، ولكنه لا يقبل ذلك من الكاتب العربي بنفس الدفق، والجرأة.

ماذا لو قدّم كاتب عربيّ، شخصية عبد الناصر، أو أي من الزعماء الذين لهم عصبيات في هذا العصر، أو غاص في التاريخ ليقدّم شخصيات نبوية، كيف ستكون ردود الفعل؟ لكنّ الأمرَ سيكون مختلفاً لو فعل ذلك كاتب غير عربي، والأمر ينطبق على الجنس. يتقبّل القارئ العربي، الكثير في الروايات المترجمة، وتصبح من الأكثر مبيعاً، ولا تثير ضجة.

في أحيانٍ كثيرة، أقول بأنّ لديّ عدة أفكار، يا ريت كاتب من أميركا اللاتينية مثلاً، يشتريها. فأنا لا أستطيع كتابتها.

{ السؤال التقليدي لمن تقرأ؟ وهل الأدب الفلسطيني يمكنه الانفصال عن أي أدب آخر؟

- أحب وصف نفسي بالقارئ المحترف، ولكنّني قبل أن أصل إلى هذا «الاحتراف» مررت، بمراحل مختلفة، مثل باقي الكتّاب والقرّاء. قراءتي في البدايات كانت في الأدب الفلسطيني المقاوم، وأعليت كثيراً من شأن إميل حبيبي، الذي قدّم المختلف للأدب العربي الحديث، ومن المؤسف أنه لا يوجد أحد يهتم بتراثه، وإعداده للنشر.

شغفت بالأدب السوفييتي، والأدب التقدمي في العالم، كما كان يسمّى، إضافة إلى الأدباء المعروفين في أميركا وغيرها.

مع تقدم القراءة، والعمر، أصبح لديّ «سياسات» قرائية وأقصد، بأنَّ القراءة أصبحت أكثر قصدية، فأنا مثلاً أُخصّص عاماً لقراءة الأدب الإغريقي قراءة منهجية، وأخصص فترة أخرى للتراث الدينيّ، وثالثة للتراث العربيّ، وهكذا.

بالنسبة للأدب الفلسطينيّ، شهد ارتفاعاً وهبوطاً، نسبة للعواصف السياسة، التي شهدتها فلسطين. في كل نكبة كان على الأديب لملمة نفسه، وكتبه (إذا بقي منها أيّة قصقوصة)، مثلما يفعل الفلسطينيّ غير الأديب، في أموره الحياتية، لينهض من جديد، فغاب ما أُسميه التراكم في الأدب الفلسطينيّ، الذي تعرّض لضربة قاسمة بعد اتفاق أوسلو، ولكنّه في السنوات الأخيرة يشهد صعوداً، ولكنّه ليس كافياً.