بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تشرين الثاني 2021 12:00ص الروائي المصري محمد بركة بعد صدور روايته «حانة الست»: «البعض يطالب برأسي بسبب أم كلثوم»

حجم الخط
يصعب الكلام عن سيدة صنعت اسما في منازل وصالونات الأثرياء بداية، قبل وقوفها على مسرح هزّت أركانه بقوة، وجعلت من الحضور رقما قياسيا صامتا يسمع بذهول صوتها المميّز، وبحلول منتصف العشرينات من القرن الماضي، كانت قد سجلت أول تسجيلاتها وحققت أسلوباً موسيقياً وصوتياً جعل منها المطربة الأولى في الشرق والمتميّزة بوعي ونضوج واتزان لا مثيل له، لتنتقل من المسرح إلى الراديو والسينما والتلفزيون. في عام 1936 قدّمت أول فيلم لها، «وداد» من إخراج المخرج الألماني «فريتز كرمب» حيث لعبت دور البطولة. لكن تبقى التفاصيل الصغيرة في حياتها الخاصة محفوظة في تسجيلات لمقابلات قليلة أجرتها مع بعض الإعلاميين بتحفّظ كبير. فكوكب الشرق امتلكت رصيدا هائلا من الأغاني الدينية والعاطفية والقومية. في خضم الاضطرابات التي أحدثتها الحرب الأولى والثانية والثورة المصرية عام 1952، التزمت بالشخصية المصرية الوطنية، وكمسلمة متديّنة. غنّت أغاني دعما لاستقلال مصر (نشيد الجامعة) وغنّت في الخمسينيات من القرن الماضي العديد من الأغاني التي تدعم الزعيم المصري جمال عبد الناصر، الذي طوّرت معه صداقة وثيقة. إحدى أغانيها المرتبطة بعبد الناصر وفترة حكمه («لقد مضى وقت طويل يا سلاحي») - تم تبنّيها كنشيد وطني مصري من 1960 إلى 1979. شغلت منصب رئيس اتحاد الموسيقيين لسبع سنوات وشغلت مناصب في العديد من اللجان الحكومية للفنون. زادت شعبيتها بفضل تبرعاتها السخيّة للقضايا العربية، بعد هزيمة مصر في حرب الأيام الستة في يونيو 1967، قامت بجولة في مصر والعالم العربي الأوسع، متبرعة بعائدات حفلاتها الموسيقية للحكومة المصرية. وهذا غيض من فيض، فكيف يمكن لأي عربي أن لا يراها كوكب الشرق فعلا، وأن لا يمحو عنها أي غيمة رمادية تمرُّ مرّ الكرام على سيرتها... قد نغضب، قد نثور، قد نفقد أعصابنا، لكن لا بد من انها إنسان أولا وأخيرا قد يخطئ وقد يصيب، وهذا ما حدث معي عندما قرأت رواية «حانة الست» للروائي «محمد بركة» لكن عندما عدت لأرض الواقع وللمقابلات الإذاعية التي أجرتها السيدة أم كلثوم شعرت انها أدركت قيمتها كقدوة إنسانية قد تجعل منها مثالا أعلى متبوعا من عامة شعب مأخوذاً بها، فاحتفظت بالكثير من التفاصيل عن حياتها التي حاول «محمد بركة» كتابتها في رواية أدبية قد تنفصل وقد ترتبط بسيدة لا نراها إلا كوكبا شرقيا أذهل العالم. فهل سنرضى برواية «حانة الست» وان اتصفت بالرواية الأدبية الأركان وفق بحث عميق ورؤية جعلتنا نراها كوكبا على أرض لطالما هزّتها بوقوفها على مسرح غنائي؟ مع الروائي محمد بركة أجريت هذا الحوار.

{ عنوان الرواية نفسه قد يعتبره البعض يحمل إساءة للسيدة أم كلثوم بسبب لفظة «حانة»؟

- نحن ملكيون أكثر من الملك، نزايد بجهل ونهاجم لمجرد الهجوم، فالعنوان مستوحى من اسم أغنية لأم كلثوم نفسها بعنوان «حانة الأقدار» يقول مطلعها:

«حانة الأقدار            عربدت فيها لياليها

 ودار النور والهوى صاحِ           هذه الأزهار كيف تسقيها وساقيها

      بها مخمور، كيف يا صاحِ؟».

كتبها الشاعر طاهر أبو فاشا كموشح صوفي يتناول حياة «السيدة رابعة العدوية» في مسلسل إذاعي وفيلم سينمائي.

{ تبدو منزعجا من الهجوم القاسي الذي رافق صدور العمل؟

- يزعجني أن حملة انطلقت بالتزامن مع صدور الرواية صنعها أشخاص لم يقرأوا العمل أصلا واكتفوا بمراجعات نقدية واقتباسات وانطباعات منشورة حوله هنا أو هناك، ومع ذلك طالب هؤلاء بدم بارد بقطع رقبتي وحرق النسخ الموجودة في المكتبات بميدان عام كما زايد البعض وطالب النائب العام المصري بالتحقيق معي! الأمر أشبه بهستيريا جماعية في موسم حرق الساحرات بالقرون الوسطى!

{ الرواية تُنزل أم كلثوم من عليائها إلى الأرض، ربما هذا ما أزعج البعض؟

- ربما، المثل الشعبي المصري يقول: كل شيء جائز إلا زواج العجائز! هو مثل مسكون بالتنمّر واللاإنسانية مثلما نحن مسكونون بشهوة التقديس و التأليه . لقد أردت أن تتراجع الأسطورة قليلا وأفسح المجال للوجه الإنساني المسكوت عنه لكوكب الشرق التي تقول على سبيل المثال: كان أحمد رامي أفضل استهلال للقصيدة الوحيدة التي نظمتها بحياتي: قصيدة الغواية. حين تمنح الأنثى لا شيء ويظن الرجل أنه حصل على كل شيء. لماذا نكتب الشعر في حين يمكننا أن نعيشه؟ هنا حين نعرف أنها كانت تتلاعب بأحمد رامي سنعرف أنها لم تكن بالمثالية التي يتوهمها البعض، لكن للأمر وجه آخر فرامي نفسه استفاد منها وضمن الخلود على ضفاف حنجرتها الذهبية، بالطبع هذا مجرد مثال.

{ لكن في المقابل، هناك حالة من الإشادة النقدية و الاحتفاء الإعلامي تكاد تكون غير مسبوقة، كيف ترى الأمر؟

- سعيد جدا بالطبع، كنت أتوقع النجاح نقديا وإعلاميا ولكني لم أكن أتخيّل أن يأتي بهذا الحجم. ثمة كاتب كبير في مصر أيقظني من النوم ليقول لي: لم أنم بسبب روايتك. كاتبة كبيرة في لبنان بعثت لي لتخبرني بـ «متعة خالصة» شعرت بها مع قراءة النص، لكنهما رفضا أن أشير إلى الأمر على صفحتي الخاصة . الاثنان من نجوم الكتابة عربيا لكنهما اختارا أن يظلا ضمن قائمة سرية لعشاق العمل! المبررات التي ساقاها تتخلص في أنني سأفتح عليهم بابا من الروايات المطبوعة والمسودات ولن يكون اعتذارهما مقبولا بدليل أنهما طالعا بإعجاب وربما بانبهار رواية لكاتب من مواليد برج الحمل يدعى محمد بركة. لم أقتنع، لكن ليس أمامي سوى احترام رغبتهما!

{ ألم تتخوّف من حجم المسؤولية الملقاة على عاتقك وأنت تتصدّى لكتابة رواية من هذا النوع؟

- أنا أخاف المغص الكلوي بسبب حصوات تسكن جنبي الشمال منذ سنوات، لكني لا أخاف المسؤولية ما دمت سأتعامل معها بجدّية وكفاءة. هناك تنويه في نهاية الرواية يقول «الوقائع الواردة في هذا العمل صاغها خيال المؤلف استنادا إلى وقائع مغيبة وحقائق منسية». لقد اشتغلت على النص كباحث أولا أدواته المراجع والمصادر التاريخية محاولا رسم ملامح المسكوت عنه في حياة تلك الفلاحة المصرية العظيمة. وحين وجدت تحت يدي أساسا قوية، شرعت في ملء الفجوات عبر الخيال. ولا تنسي أننا نتحدث هنا عن نص أدبي في المقام الأول والأخير وليس سيرة صحفية أو بحث تاريخي!

{ أخيرا، ما الفصل الذي عانيت كثيرا أثناء كتابته؟

- الفصل الأخير من الرواية حيث مشهد الوفاة، صعود الروح إلى ركن بسقف الغرفة ومشاهدتها لتفاصيل محاولة الفريق الطبي إنقاذ جسد أم كلثوم من الموت. أيضا الفصل الذي تتلقّى فيه صفعة على وجهها من آخر أزواجها د. أحمد الحفناوي.