بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 حزيران 2023 12:00ص الروائي مُحسن الغمري لـ«اللواء»: «أفندينا» فتحت الباب لرؤية تاريخية مغايرة لأعلام عاشت على أرض مصر

الروائي مُحسن الغمري الروائي مُحسن الغمري
حجم الخط
لا يذوب التاريخ في عالم الرواية والأدب ما زال يحمل في طيّاته ما كتبه وجمعه مؤرخون وصاغه خياليا كتّاب يحملون رغبة في إماطة اللثام عن الأحداث أو التغيّرات الجغرافية والتاريخية التي حدثت، بل هي رغبات في ربط التاريخ بعالم الرواية بعيداً عن سرد الحقائق بدقّة، إنما لخلق رؤية تتقارب فيها الحقائق مع المخطوطات التاريخية التي يكتشف فيها الروائي الخبايا، ويجعلها أمام القارئ، وهذا ما جعلنا نكتشفه الروائي المصري «مُحسن الغمري» في رواية «أفندينا» التي يوقظ من خلالها مسألة البحث عن مكانة مصر منذ القدم، وبنفس الوقت عن فترة حكم محمد علي وسلالته، وهي طريقة لإيصال محتوى المخطوطات للقرّاء خاصة التي كتبها نوبار باشا أول رئيس لوزراء مصر والمولود في سميرنا تركيا وجدلية تركها للسرد الروائي والحكم على تفاصيل كشفها «أفندينا».. ومع الروائي مُحسن الغمري أجرينا هذا الحوار:
{ هل يدخل الكاتب في أزمنة تاريخية ليكتشف بصمة فريدة في إنسان ما؟
 - التاريخ قماشة عريضة سخيّة جدا، تعطي من يشاء كل ما يشاء، التاريخ مغارة «علي بابا» الأشهر، التي يجد فيها من يدخلها كل ما يروم، وللروائي الحق في أن يستمد منه ما يعينه على إعادة قراءة وقائع وتأويل أفعال تاريخية من خلال سرد خاص بفكره وخياله، فهو يمتلك حرية الفعل دون مؤاخذة، كذلك لديه الحق في إماطة لثام قد ضرب - عمدا أو سهوا - على بعض الشخصيات التاريخية المعروفة لنا، وإظهار فعله - إيجابا أو سلبا - للقارئ المتلقّي!
{ هل سعيت في رواية «أفندينا» الى إعادة تكوين الحقيقة، وإلى أي مدى المكان هو النافذة الحقيقية التي ندخل منها الى أزمنتهم؟
- عفوا يجب هنا أن نفرّق بين الحقيقة وبين الواقع، فالحقيقة ثابتة ولا يجوز لكائن من كان مؤرخا أو كاتبا العبث بما هو ثابت موثّق، لكن للمبدع حق التصرف تبعا لخياله في قراءة الوقائع المتعلقة بتلك الحقيقة، بالشكل الذي يخدم رؤيته أو إعادة تأويلها بما يظهر المسكوت عنه لشخص أو وقعة تاريخية بعينها! أما فكرة أن يكون المكان فقط هو نافذة الدخول إلى الحقيقة في غياب الزمان فهذا غير وارد، فالأصل أن يكون الزمان هو نافذة الدخول إلى المكان، وعند الكتابة عن التاريخ يجد الكاتب أنه يتعامل مع وحدة الزمكان مجتمعة.
{ هل أردت خلق معادلة للاستدلال والاستنتاج بشكل روائي قدر الإمكان لنخرج من الوثائق التاريخية ونتجه نحو الحقائق التي تشير الى أننا نتراجع على جميع الأصعدة؟
- من مهام الأدب الرئيسة إعادة قراءة التاريخ، أو بمعنى آخر إعادة اكتشافه، فالعلم به ومعرفته يفيد الحاضر عن طريق استيعاب أخطائه وتجاوزها! فعلى سبيل المثال ونحن نعيش الزمن الآني خارج دائرة التأثير أو التأثر لحقيقة وقعت يوما ما، وبعد الافراج عن وثائق كانت محظورة لصالح جهة أو فئة، أو لرسم صورة غير أصيلة عن شخصية كانت آنذاك، فيمكننا الآن الكتابة عنها بما لها وما عليها، لنكون محايدين، غير مستسلمين لقول (إن التاريخ يكتبه المنتصرون) فهؤلاء يسجلونه لتمجيد شخصهم وفعلهم، بتصوير أنفسهم ملائكة مع شيطنة الآخر! حينئذ يمكننا الاعتراف بأخطائنا، وفي الاعتراف تطهّر ضروري لمن يريد العلاج والخلاص، وهو ما نحن في أشدّ الحاجة إليه الآن.
{ هل أردت إظهار الشأن المصري في ارتباك زمني تناسى الماضي المصري تحديدا؟ أم هي إظهار حقائق تاريخية كي لا تنسى وتتوارى في كتب التاريخ؟
- عندما قررت كتابة روايتي «أفندينا» كانت بي رغبة كبيرة، في إماطة اللثام عن شخصية عباس حلمي الأول، ثالث ولاة مصر من أسرة محمد علي، الذي وجدت أن جلّ ما كتب عنه، كان فيه شبهة تعمد في الإساءة إليه وجده مؤسس الأسرة، وبعد الدرس والتمحيص والقراءة الموسعة في زمن عاشه منذ قبل ميلاد وإلى قتله، وفّقت حسب رؤية أساتذة لتاريخ والنقد الأدبي، لكتابة رواية بها الكثير مما عتّم أو شوّه عن قصد عن تلك الشخصية، إذن فكتابتي كانت أولا لإظهار ما سبق وتوارى في الكتابة عن الشخصية ووقائع حياتها، أما ثانية كان في ربط وإسقاط على حاضر مرتبك، ليس فقط محليا بل وعالميا.
{ هل «أفندينا» حملت سرا تاريخيا أم فتحت لنا أبواب التاريخ لنشهد الاختلافات والفروق في علم الماضي لنفهم الحاضر جيدا؟
- «أفندينا» فتحت الباب لرؤية تاريخية مغايرة لأعلام عاشت على أرض مصر، شخصيات لم يكن تأثيرها وقف على أرض مصر وتاريخها فقط، بل أن تأثيرها امتد لمعظم دول الجوار، بل كادت يوما أن تقلب ثوابت ذلك العصر وتغيّر طبوغرافية مكان تشغله حدود السلطنة العثمانية، كما أنها نجحت - بحكم إبداع المتلقّي - بتأويل مُختلفٍ لوقائع وأحداث كثيرة دارت في تلك الحقبة، من داخل قلاع الحكم بشقيها (سلاملك - حراملك) ممتدة إلى خارجها إلى مجتمع كان آنذاك، مبيّنة من خلال السرد طبيعة أناس كانوا هم المكوّن الرئيس للمجتمع المصري أبان ذلك، وعاداته وتقاليده في الكثير من المناسبات الدينية والاجتماعية، مما أعطى مساحة واسعة لمتلقّي هذا العصر، أن يفهم ويقارن بين ماضٍ وحاضر شعب وحكام عاشوا على أرض مصر، ليستخلص بنفسه الحكمة والعظة التي يستطيع توظيفها، من أجل إصلاح حاضره، وإعداد غد أفضل.