بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الأول 2019 12:02ص السرد التشويقي في رواية «الصبيّة والليل» لـ غيوم ميسو

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
يعزّز الروائي الفرنسي «غيوم ميسو» السرد التشويقي في رواية «الصبيّة والليل» الصادرة بالعربية عن دار نوفل هاشيت أنطوان بالفروقات الزمنية الغنية بالمرفوض والمقبول، فما يرفضه الماضي يقبله المستقبل، وما يشكّل الدافع الأساسي لجريمة ما قد يصبح نوعا من العادات الاجتماعية المقبولة فيما بعد.

 فسخرية الزمن في رواية «الصبيّة والليل» تشكّل أزمة عند مجموعة من الأصدقاء تربطهم قصة حب غريبة نشأت بين أم توماس وفرنسيس في الماضي أيضا قبل ولادة توماس الكاتب في الرواية حيث نشأ في مدرسة تعج بتلاميذ لكل منهم أهدافه الحياتية، وغموض نشأة جعلت من كل فرد منهم يغوص في ميوله الخاصة، وما بين المراهقة والنضوج وضوح رؤية للمقبول والمرفوض مع فهم عميق لسلوكيات الأهل الغامضة والعصيّة على فهم المراهق لها، وبهذا يجمع «غيوم ميسو» بين السرد التشويقي والتحكم باستفزاز القارئ، فيجعل منه القاضي والجلاد، ومن ثم يخرج من الرواية بمغزى مختلف، فليس كل ما يحدث هو صحيح أو كل ما نراه هو الحقيقة، فالحياة حرب متواصلة «والأقوياء والضعفاء ليسوا دوما كما نظنهم. 

وبـأن كثراً يخوضون بصمت وبسالة صراعاتهم الشخصية الأليمة». وما تضحية الأم إلا غريزة إنسانية شرسة للحفاظ على الأبناء والدفاع عنهم بكل الأساليب عند الحاجة لذلك.

المثلية الجنسية والأمراض النفسية المختبئة تحت ظلال موانع اجتماعية تفرض على أصحاب هذه الميول ستارات واهية تشكّل نوعا من الدوافع الأساسية لهم ولهذا وقعت الجريمة المخفية التي لم تتضح أسبابها الحقيقية إلا بعض أن اتضحت الحقائق نوعا ما، فالعلاقة المثلية غير المرئية مع فينكا وأستاذتها فرضت علاقة أخرى لانجاب الولد، وهذه فرضت قوة دفاعية عند انابيل لتصدّ هجمات غير واعية عن عائلتها، لتنكشف الغوامض كلها ويصدمنا «غيوم ميسو» بالحقائق غير الكاملة أيضا، لنشعر ان الكاتب ما هو إلا الواقع الحقيقي على الأرض، والمتخيّل في الرواية وإنما اللعب بالأحداث هو ناتج عن تفاعلات الأجيال وفروقاتها والحب ومعانيه ذلك الحب الذي دفعه لارتكاب جريمة ظاهرة بينما استطاعت أمه إخفاء العلاقة المزدوجة باحكام «ذلك الحب الصافي، النقي بتركيبته، قد أختبرته أمي وفرنسيس فيما اكتفيت أنا بأن أحلم فيه أو أتخيّله على مرِّ صفحات الكتب. فهل من نصر في الحياة يدوم؟ وهل ينفي بطريقة أو بأخرى بعض أقوال الأدباء التي استشهد بها بإقناع سلس من خلال الأحداث المتشابكة؟ أم ان فأس الأحقاد يصيب صاحبه قبل الآخرين؟

تضحية كبيرة من أم وأب ارتضى كل منهما إخفاء قصة حب شبه خرافية بينهما نتج عنها توماس الكاتب الذي أخفى جريمته عن أم أخفتها بدورها كما يجب، لتتشابك خيوط السرد وتنكشف الأسرار رويدا رويدا مع التفاصيل عن منطقة وصفها بلغة أدبية تصويرية ذات انطباعات جمالية لمدينة ولد فيها الكاتب نفسه ، فأشبعها بالجمال حتى ليلة العاصفة الثلجية التي حدثت فيها الجريمة، وما بين الحرم الجامعي ونيس وكوت دازور وآنتيب مسقط راسه والريفيرا الفرنسية سر ثلاثي بين فاني وتوماس ومكسيم كما بدا، إلا انه في الحقيقة اشترك به فرنسيس وانابيل وأحمد، ليحمل وزره ريتشارد وهو الذي حاولت فينكا ابتزازه بتحريض من أستاذتها، وبهذا اشتدّت الحبكة والأزمة معها، بعيدا عن الجريمة الحقيقية هناك عدة جرائم اجتماعية أخرى والزمن كفيل أن يكشف الحقائق بنسبة معينة إذ ما من حقيقة كاملة حتى في الروايات التي يكتبها توماس، وفي الحقيقة كتبتها انابيل الشخصية التي لم يكشف أفعالها حتى النهاية وهي آلام المستعدة بالتضحية بكل شيء من أجل ابنها ولإيمانها ان الحب كل شيء أو لا شيء.

استطاع «غيوم ميسو» بلوغ الذروة في البناء الروائي، وبتقنية استفزازية عالج من خلالها مشاكل الطلاب في الثانويات وسن المراهقة، والحب بين طلاب المدارس ومخاطره والحقيقة التي لا نراها والأقوى جدا مما نراه دون أن يسقط قناع الكليشهات الدقيقة من منظور اجتماعي ومن منظور الانحرافات النفسية في المدارس والجامعات ومخاطرها، وتهوّر الإنسان في المراهقة والكهولة على حد سواء. فما قام به توماس تخطّاه ريتشارد الكهل، وبهذا وضعنا في دوامة الصبية والليل، ذلك الليل الذي اختفت فيه صبية وظهرت فيه قصة حب هي الأقوى، وتمثل كل شيء أو لا شيء في الحب. فهل الزمن يحجب ما نرفضه ليلفظه فيما بعد ويضعه بين هلالين من الاشكاليات وضمن المقبول؟