بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2018 12:03ص السفر حل جاهز.. والانتظار أقرب إلى الإنتحار منه إلى الفرح...

«الإعتراف» مسرحية سورية لا ترى أفقاً لحل الأزمة الطويلة

حجم الخط
               
تكمن أهمية مسرح «دوار الشمس» - الطيونة، في التنويعة التي تميز عروضه، وهي عموماً أقرب إلى التجريب الذي يدفع للإهتمام والمتابعة.
آخر الغيث كان على مدى يومي السبت والأحد الماضيين في 9 و10 حزيران/يونيو الجاري، مع المسرحية السورية «الاعتراف» (The confession) إخراج عبد الله الكفري، عن نص لـ وائل قدور عن الأوضاع التي تعيشها سورية منذ سنوات، والقلق الذي يعتري أهلها في الداخل والخارج للرد على أسئلة لها علاقة بالمصير، وملامح المستقبل القريب قبل البعيد.
خمسة ممثلين على الخشبة: سهى نادر، أسامة حلال، جمال سلوم، ؟مزة حمادة، وشادي مقرش، في عرض يدوم مئة دقيقة متواصلة، عكس السائد في مسرحيات هذه الأيام والتي معدل الواحدة منها ساعة، أو ساعة وبضع دقائق... وبالتالي تكون «الاعتراف» فارقة لهذا التنظيم المتبع، لكن لم يجر اعتماد فصلين من أجلها بل فصل واحد متواصل.
لا نقاش في قدرات وحضور العاملين في المسرحية، ثقة، إجادة، وانفعالات مضبوطة في غالبيتها، إلا أن ما فعله أحد الممثلين في لحظة غضب وانفعال على الخشبة ليس مقبولاً بالمطلق، لقد كفر على الخشبة، ردد عبارة مسيئة للذات الإلهية، وعندما فاتحنا منتجة العمل، وهي لبنانية بادرتنا بأنها ستأخذ بهذه الملاحظة لاحقاً، لأن أسرة العمل تقوم على الدوام بمراجعة عروضها وردود الفعل عليها، ثم تجري التعديل اللازم في هذا الإطار، حيث هذه المحطة السلبية جداً تأخذ من وهج العرض وتحيله إلى وجهة أخرى ليست في مناخ النص القاسي المباشر، المعترض، وعالي الصوت، مع ممثلين باتوا جزءاً من كاريسما وصورة الممثل السوري عموماً في الأذهان.
لا الإقامة في سوريا مريحة، ولا مغادرتها مريحة، لكن هاجس الشعر يلازم المونولوغ المسرحي بحثاً عن مكان يستطيع فيه الأدمي فيه، أن يتنفس ويعيش كباقي خلق الله، بعيداً عن الخوف، والخطر، واحتمالات الموت الموجودة في كل وقت، وأينما حل هذا المواطن لا أمن ولا أمان.
كلام كثير، عن الحياة، الموت، العائلة، الأبناء، عن الوطن وتداعيات السياسة من حوله، عن النّاس البسطاء وإلى أين تسير الأمور، ولماذا لا تنتهي الحرب العبثية كلها، ولماذا تدفع فئة الضريبة عن الجميع، وهل من أفق لما يجري أم أن الأمور، كما تبدو ما تزال في أولها، ولا داعي لكل التوقعات.
الأفراد، يسألون عن المصير، عن خشبة الخلاص إذا كانت متوفرة، ويوحدهم شعور واحد بالضياع، وعدم المعرفة، وانعدام القدرة على تبرير ما يحصل، في وقت تبدو صورة الآخرين الذين نجحوا في المغادرة إلى بلاد الله الواسعة أفضل بكثير، وهم حتى لا يفكرون في العودة إلى الوطن. إذاً ما عاد إلى سابق وحدته، وهدوئه وإحترامه، فالعيش في بلدان متقدمة يؤهل النّاس كلهم لكي يكونوا صالحين، ويستطيعون الطموح وتحقيق الآمال بكل بساطة وثقة.
لذا فإن موضوع المغادرة إلى أبعد أرض، يطرح في كل الحوارات، ما من نقاش الا ويتناول هذا الجانب من الحلول التي باتت ضيقة إلى حدود لا تصدق، لكن المغادرة إلى البعيد تبدو للجميع أنجح الحلول،. وأفضل السبل لكي تعرف العائلات مصيرها، وكيفية التعاطي مع أبنائها من جيل الغد، وماذا عليهم أن يفعلوا حتى يحفظوا لأنفسهم جانباً من المستقبل غير الواضح، وفي أي أرض يكون، وعلى أي صورة هو، طالما أن الأزمة في البلد لا تبدو على وشك الحل.
«الإعتراف».. هو إعتراف باستمرار هذه الحرب، وبالتالي الأزمة، وغياب أي أفق، ولماذا الانتظار بعد، يجب التصرف. نبقى «ملاقي الكوارث، تغادر فعندنا ما نحفظه من الكرامة والغد». هذا هو لسان الحال، وهذه هي الصورة التي تبدو حاضرة وحقيقية، والمسرحية قالت هذا الكلام بوضوح وشفافية بلغت هذا البوح المباشر، حيث لم يعد هناك من مجال لكي تتأجل أي خطوة مطلوبة.
عرضان فقط، وغادرتنا المسرحية إلى رحلة أخرى مع جمهور آخر.