بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 أيار 2018 12:05ص الشاعر موسى حمادة لـ «اللــواء»: لا أنكر أن العمر يلعب دوراً في إنضاج النص الشعري

حجم الخط
{ الشاعر موسى حمادة في زمن بات من يحمل هوية شاعر من الشباب كمن يحمل هوية لا تنتمي لهذا الزمن ما رأيك؟
- الشعر له زمنه الخاص لأنه خارج الزمن وله مكانه الخاص الذي يتخطّى المكان... انه خارج (النسيج) الزمكاني لأنه (عارٍ) دائماً من كل شي. ء فهو واضح كرصاصة تخترق لحم الأشياء لتصل إلى عمق الأبدية هناك حيث يكون الدم الحارّ للمعاني في جريانها الخفّي والتي لا تصلها إلا رصاصة الشعر الجارحة والخفيفة... لذا علينا أن نكتب بنظرة طفولية لأن الأطفال بما يحملونه من دهشة وحب اكتشاف لما هو خلف ستارة المجهول هم الشعراء الأوائل لهذا الوجود فتخيّلي ما أصدق الكاتب الانكليزي جستسترن حين قال: «إلهي إلهي لماذا هذا العالم مليء بالأطفال العباقرة والكبار الحمقى؟».
{ لماذا لا تهتدوا ابدا هل هذه وصية للشعراء لتبقى لغة الشعر والغواية سائدة؟
- لا تهتدوا أبداً: التحدث عن الهداية يكون بهدف الوصول إلى نهاية. والوصول بالمنظار الفنّي هو الموت... ووظيفة الشعر تتعارض مع المسلمات واليقين لتدخل في ضباب التساؤل والشك والعبث «وحيث الطريقَ الذي لا طريقَ إليهِ يُعيد ابتكار الجهات» لأن الشعر هو التعبير الأصدق عن رحلة بحث الإنسان عن ذاته وعن هويّته الوجودية وأقول عندما يجد الإنسان ذاته (وهذا لن يحدث) نتوقف عن كتابة الشعر وطالما أن هناك ولو قدم واحدة ترمي خطاها نحو طرق المجهول سيبقى هناك قلم في أشدّ مواضع الأرض ظلامية وعزلة يكتب عن رحلة البحث الوحيدة لهذا الانسان الوحيد...فالهداية في الشعر ألا نهتدي أبداً.
{ الا تخاف وأنت بعمر الشباب من مبارزة شعراء كبار في العالم الشعري الذي رغم الاضمحلال ينمو بشكل ضئيل جدا بكم ؟
لا يقاس العمر الشعري بالعمر الفيزيائي بل -كما سبقت وأشرت- أن للشعر زمنه الخاص الذي لا يُشبه زمننا الأرضيّ ذلك أنه يرتبط بجوهر  تشترك فيه الانسانية جمعاء مهما اختلفت... إلا أنني لا أنكر أن العمر يلعب دوراً في إنضاج النص الشعري على نار الثقافة والتجربة والرؤية لكن الكتابات الأولى لها طعم الوردة الأولى حيث تعصر الحديقة ضوءها وماءها وترابها وتهديها لأول برعم يتفتّح بألوانه الحارّة. 
{ وضعت في ديوانك بعض الاقوال الشعرية وغيرها للكثير من الشعراء هل اعتبر هذا نوعا من الوفاء لشاعر بعمر الشباب لجيل تتبع خطاه بحداثة ما؟
- تردّدت كثيراً قبل أن أضع الإضاءات الصغيرة هذه لكنّني انتهيتُ إلى وضعها للقول بأن الديوان هو نافذة لا تطلّ فقط على ذات الشاعر وإنما على ذات العالم بأسره هذا الجوهر الذي تحدثت عنه والذي تشترك به كل الإنسانية لأن الأسئلة الوجودية التي تحرّك شاعراً في أقصى أميركا اللاتينية هي ذاتها الأسئلة التي تحركني كشاعر وُلد هنا (لا أقصد بالظروف الثقافية والاجتماعية المختلفة طبعا بل أبعد من ذلك) وهي: لماذا أنا ؟ في هذا الزمن؟ وإلى أين؟ والشعر هو الطائر القادر على حمل هذه الأفاعي-الأسئلة دون أن تكون قادرة على لدغه بل يحلّق بها بعيداً إلى أعلى قمم عزلته بانتظار الأسئلة الآتية.
{ رمزية وغموض ومفردات قد لا يدخل غربتها الجيل الذي انت منه وقد تطرب جيل الشعراء القدامى لماذا؟
- الغموض في الشعر العربي ليس إشكالية حديثة وإنما ضاربة بجذورها في القِدم منذ الشاعر العباسي أبو تمام حين سُئل: لماذا تقول ما لا يُفهم فقال لماذا لا تفهمون ما يُقال. وبالتالي لا وجود للشعر دون الغموض الشفيف الذي يراود القارئ دون أن يشقّ له ثوب المعاني بل يترك له مساحة للتأويل المغري لكي يقرأ جسد القصيدة في العتمة معتمداً على مهارة أصابعه في تحسّس مواضع القصيدة الأكثر حساسية ولذة وبالتالي فإن القارئ لا يكون طرفاً سلبيا يقتصر دوره على التلقي وإنما هو مشارك في عملية الخلق الشعري بحيث يعيد كتابة القصيدة وفقاً لمستوى ثقافته ورؤيته وشعوره لذا فإن القصيدة العظيمة لا يقرؤها إلا قارئ عظيم على حدّ قول أدونيس والمشكلة التي نعيشها اليوم عربياً هي ليست مشكلة شعر بل مشكلة «شعراء» من ناحية ومشكلة جمهور من ناحية أخرى حيث دخل الكثير من المتطفّلين الذين باسم «الحداثة» يطرحون الكثير من النصوص الغارقة في الغموض بقصد ادّعاء العمق والثقافة والتغطية على نقص شعريتهم أما مشكلة الجمهور فهي مشكلة ثقافة متأزمة بحيث لا يستطيع مواكبة الحداثة الشعرية الحقيقية وفكّ رموز القصيدة للوصول إلى عمقها بل تُطربه القصائد التي تطفو على السطح لأنه يخاف الغرق.