بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 أيلول 2021 12:00ص الشاعر والمترجم الهندي أحمد جدير لـ«اللواء»: الأدب يقدّم للقارئ المتعةعبر إغناء الحياة معنوياً وروحياً

الشاعر والمترجم أحمد جدير الشاعر والمترجم أحمد جدير
حجم الخط
هو أحمد جدير بن علي، الشاعر الشاب والمترجم من أبناء الهند، وباحث في جامعة معدن الثقافة الإسلامية، أسّسها سيد إبراهيم الخليل البخاري حفظه الله أحد رواد التعليم بالهند. يقرض الشعر وفي نفس الوقت يترجم الأشعار المحلية إلى اللغة العربية. يميل الى الترجمة أكثر من قرض الشعر لأن فيها العديد من الفوائد. وتعرف الترجمة بأنها عملية يتم من خلالها نقل البيانات والمعلومات بين اللغات بغرض التبادل العلمي والثقافي، وتحقيق الاستفادة القصوى من كل علم موجود في كل حضارة. ولقد اكتشف الإنسان أهمية الترجمة منذ العصور القديمة، حيث كانت هناك ترجمة بين الحضارات، حيث ترجم العرب كتب اليونانيين، واستفاد الأوروبيون من الكتب التي أنتجها العرب. ولقد ساهمت الترجمة بدور كبير في النهضة التي يشهدها العالم في وقتنا الحالي، فمن خلالها استطاع المترجمون نقل العلوم الأخرى ليستفيد منها الباحثون وغيرهم.

{ ما الذي جذبك للشعر أولا وللترجمة ثانية؟

- كنت أطّلع على العديد من الكتب الأدبية وأتمتع بها منذ نعومة أظافري، فحصلت على حلاوته رويدا رويدا. لأن الأدب يقدّم للقارئ المتعة العميقة التي تتمثل في إغناء حياته على الصعيدين المعنوي والروحي، وإضفاء المعنى الشامل الذي يتجاوز تفاصيل حياته اليومية. ويعيدنا الأدب إلى قصص التاريخ، والملاحم والكتب المقدسة والأعمال الكلاسيكية القديمة والحديثة، من خلال الشكل الأدبي الذي يتضمن اللغة وثقافة مرحلة الحدث. ثم بعد أن التحقت بجامعة معدن الثقافة الإسلامية حيث أتخصص في قسم اللغة العربية حاليا توسّعت دائرة فكري في هذا المجال. ثم طغى الإهتمام على مجال الترجمة من اللغة الهندية إلى اللغة العربية. لأن الترجمة واسطة رائعة للتبادل الثقافي.

وشجّعني رئيس جامعتنا، جامعة معدن الثقافة الإسلامية، السيد إبراهيم الخليل البخاري حفظه الله ورعاه على هذا المجال.

{ القصيدة العربية قوية المبنى، ما الفروقات بينها وبين القصيدة الهندية؟

- نرى في الأدب العربي عدة أنواع من القصائد، منها الشعر العمودي والحر. والعمودي يتميّز عن غيره بالعديد من العوامل مثل الوزن، فلو لم يكن موزونا لما جازت تسميته شعرا. يعتمد التفعيلة وحدة للوزن الموسيقي، ولكنه لا يتقيّد بعدد ثابت من التفعيلات في أبيات القصيدة، أنه يقبل التدوير: بمعنى أنه قد يأتي جزء من التفعيلة في آخر البيت، ويأتي جزء منها في بداية البيت التالي. الالتزام بالقافية: إذ تعطيه الجرس الموسيقي العذب. استعمال الصور الشعرية التي تعمّق التأثير بالفكرة التي يطرحها الشاعر. اللجوء إلى الرمزية التي يموّه بها الشاعر على مشاعره الخاصة أو ميوله السياسية. وقد يصعب على القارئ إدراك المقصود من القصيدة. والشعر الحر فيها حرية عامة للشعراء، يظهرون أفكارهم وآراءهم بغير أي قواعد خاصة. هكذا كان في الشعر الهندي بعض المعايير حتى سنة ١٩٥١م. ثم تغيّرت مجالها كما تغيّر بعض التغيّرات الملموسة في الشعر العربي. الآن ليس في القصائد الهندية معايير متخصصة، لكن كل واحد من الشعراء يظهرون آراءهم وأفكارهم بشكل شخصي.

{ لمن تترجم من الهندية إلى العربية، وما هو أبرزها؟

- قمت بهذه المهمة العظيمة للعديد من الشعراء الهنديين. أبرزهم ساشتدانن هو شاعر وناقد هنديّ بارز، يكتب باللغتين الإنجليزيّة والمالايالم، ويُعَدّ من روّاد القصيدة الحديثة في لغته الأمّ، المالايالم. حاصل على جوائز عالميّة عدّة، وهو إلى جانب كونه ناقداً ومترجماً ومحرّراً، فهو مناصر للقضايا السياسيّة العادلة في بلده وفي العالم، ولقضايا البيئة وحقوق الإنسان.

{ من شعراء الهند القدماء إلى شعراء العرب القدماء من الأبرز؟ وهل من فلسفة إنسانية تتبعها؟

- أجيب لهذا السؤال حسبما اطّلعت في غضون قراءتي وبحثي. حينما تمرّ أبصارنا عبر صفحات التاريخ نرى الشعراء الهنديين الذين اهتموا في الفلسفة الإنسانية، على سبيل المثال طاغور شاعر هندي مشهور في شتى أرجاء العالم، لم يكن لشعر طاغور أثر بيّن في الشعر العالمي، بصفته صنعة أو فضاء ولغة وأساليب ورؤى، مقدار ما انحصر هذا الأثر بشخص طاغور وحكمته والهالة الإنسانية واللاهوتية التي أحاطت به. لكنه حتماً أثّر في الشعر البنغالي والشعراء الهنود الذين ما برحوا يعدّونه «الشاعر العالم» و«الشاعر الرمز» والمعلّم الروحي والفلسفي. وهو مثّل في نظر الجميع الأمل الجديد إزاء تقسيم بلاد البنغال والصراعات الدينية التي تخبطت فيها البلاد. ناهيك عن الأمل الذي جسّده أيضاً حيال انهيار العالم مع الحرب الأولى وعشية الحرب الثانية. كان طاغور شاعر الشعب والناس مثلما كان شاعر الطبيعة والحكمة والقيم والأخلاق. وقد حفظ كثيرون من المواطنين أناشيده الوطنية والدينية وردّدوها في الاحتفالات.

قامت فلسفة طاغور على مبدأ الأمل والبُعد الإنساني، وعلى انفتاح البشرية على طاقاتها الروحية، وتطوير وعيها الداخلي، وتحقيق قدراتها الموهوبة لها. من هنا غدت المثالية الإنسانية عند طاغور على ارتباط بالواقع والعمل والمبادرة، وشاء طوال حياته أن يكون هو نفسه المثال لمبادئه التي أعلنها والأفكار التي قال بها. ومعروف أن طاغورالتزم جبهة المعارضة لمشروع تقسيم البنغال في عام 1905، انطلاقاً من نبذه مواقف التعصب التي راجت بين الطوائف والأديان في الهند المضطربة، وتجلّى ذلك في روايته «غورا» التي كتبها عام 1880 فاضحاً فيها التعصب الديني، وباحثاً عن هوية الأمة المشتتة بين طوائف ومذاهب، والغارقة حينذاك في الجهل والتخلّف. ويقول طاغور على لسان البطل «غورا» في الرواية: «الله خلق البشر مختلفين في أفكارهم وسلوكهم وقناعاتهم وتقاليدهم، ولدى الجميع عنصر أمتلكه أنا أيضاً، وهو ينتمي إلى الهند بمجموعها».

كما أن الشاعر محمود درويش أسّس تجربة شعرية وفيّة لجوهرها، ومنصتة لنبض القصيدة وهي تقتات من ذات الشاعر ليس بحثا عن الخلود، ولكن -كما يقول بلقاسم- من أجل جعلها منفتحة على القراءة وديمومتها، ممثلة في قارئ يستضيفها مستمعا لنداءات الشاعر فيها، كي تحي حياةً متجددةً تنمّي ما تزخر به من مشتركٍ إنساني. فكل من الشعراء العرب والهنود لعبوا دورا بارزا في الفلسفة الإنسانية.