بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 كانون الثاني 2022 12:00ص الشاعرة فلك الرافعي لـ«اللواء»: بنت البلد عصفورة طرابلسية التمست انتماءً لإمارة الشعر

الشاعرة فلك الرافعي الشاعرة فلك الرافعي
حجم الخط
فلك الرافعي ابنة طرابلس الوفيّة لكل تفاصيلها، ابنة العلّامة والديبلوماسي القاضي الدكتور مصطفى الرافعي، فهي ربيبة بيت كان معلّمه فقيه وعالم ومجتهد وقاضٍ ومؤلف ودبلوماسي، مع مروحة من ثنايا وعطاف الحنان والتربية والمتابعة بحكمة وصبر ومراس من كبار. تدرّجت في مدرسة البيت مُحبة للعلم والاحترام والتواضع والشرف مع التركيز على بناء الشخصية الذاتية، ومراعاة الميول العلمية للتخصص المطلوب والمنتقى المرغوب. نشأت في حرية تنتهي عند حدود الشرائع، فالتزمت وعند محاريب الأخلاق، فكانت الطليقة التي تشرفت بتربيتها، وكانت الملتزمة بما يكفل القيمة القصوى لمن جاهدوا وتعبوا في تذليل العقبات.. وتعلّمت عند كبار لا خيلاء ولا كبرياء تأخذهم الى مراتع العدم، تقول ابنة طرابلس «أحمل أكثر من مقاطع لأكثر القصائد مع أرجحية ودلال لقصيدة لست الحبايب المسافرة الحاضرة والدتي أكرم الله نُزلها «توّجتك ملكتي».. صدر لها «مصطفى الرافعي سيرة مستمرة» و«إكتبي يا فلك» وديوانها الشعري الأول «صورة شمسية لبنت البلد». ومع الشاعرة فلك الرافعي أجرينا هذا الحوار:

{ الديوان الأول ومسؤولية الشعر، لماذا الوقوف عند رأس الهرم الأدبي؟

- انه الديوان الشعري الأول وليس الانتاج الأدبي الأول. فقد أصدرت كتابين قبله، الأول بعنوان «سيرة ومسار» «ملخص عن سيرة ومؤلفات والدي العلّامة د. مصطفى الرافعي يرحمه الله»، وبعده كتاب «اكتبي يا فلك» عبارة عن تجميع مقالات اجتماعية وثقافية ونسيج سياسي كانت قد نُشرت في جريدة «البيان» الغرّاء. ومن ثَّم الديوان الأول. فالمَلَكة الأدبية عطاء كريم وتربية وتثمير ومقاربة الشعر على قمة الهرم الأدبي نسيج من التلازم ومعارج للكاتب والقارئ والمستمع الى رُبى التألق بالتساوي... فالأدب يلغي معادلة المسافة والعلو والارتقاء، لأن الاهتمام والتذوّق الرهيف يجعلنا جميعا على مستوى واحد وتحليق واحد وعزف على وتر المشاركة الثقافية. لقد خضت تجربة القصيدة النثرية من مخزون سهّل المَهمة والكلمة الجميلة تسابق الكاتب لحجز مكانها بأناقة المقال ووردة باسقة بين الصدر والعجز في ميدان الشعر...

{ طرابلس والساعة الأثرية والحفر بالقلم شعرا ونثراً... هل هذا حنين الماضي طرابلس أم هو نظرة لمكانة طرابلس؟

- ما بين المكانة والحنين شغف متين لمدينة ذاع صيتها وكانت درّة المدن العربية، حيث مدحها الشاعر المتنبي وأثنى عليها الرحّالة النابلسي. كانت طرابلس «ثاني مدينة غنيّة بالآثار المملوكية بعد القاهرة»، وكان اسمها في غُرّة الزمن «المملكة الطرابلسية المحروسة» هي «الأثر» اسماً قديماً ثم المدن الثلاث، هي مدينة العلم والعلماء وبلد الأصالة والشهامة والكرم والضيافة. نعم هو الحنين باللونين الأبيض والأسود من ريشة فنان يرسم بالقلم المعهود ثم الوارفة العارفة ولّادة أقواس الطيف بألوانه القشيبة الزاهية، هو الحنين الشغوف بتاريخها الأمجد وهي المكانة العلمية الراقية المتأنقة بين العلم والفقه والأدب والشعر وحكايات يلف المعمورة بألف رباط من حرير عن سيرة أهلها الصيد.طرابلس أمانة التقوى في ذمة كل تاريخ، وعند بركات كل مؤرخ، وفي وجدان كل متصالح مع الواقع غير مرتجف من سرد سيرة مدينة خلوقة معطاءة. وهي وإن غابت عن الخارطة السياحية فهي الحفر والسكب الذهبي في احتفاظها بحضارتها رغم ألف جرح طال ثقافتها وتراثها وآثارها، مدينة لثقافة الحياة المجيدة ورفعت الأقلام وجفّت الصحف.

{ ديوان «صورة شمسية لبنت البلد» مع غلاف يحمل الكثير في طيّاته من المعاني.. فلك الرافعي بنت البلد بين القلم والصورة، ماذا تلتقط وأين هي حاليا في هذا الزمن الإنقلابي على كل شيء؟

- .. مهما حاول «الانقلابيون» فعبثا يحاولون فإن استطاعت الغيوم السوداء لوقت قصير حجب الشمس فهي عاجزة عن حجب الضوء والدفء والعمارة المشيّدة بسواعد مقدودة من صوان القلاع، لا يفت عضدها مراهقة الانقلاب على التاريخ والجهاد وزمن لا يمحى من ذاكرة عصيّة على الإلغاء والكيد والتغافل. وصورة بنت البلد حكايات من أدبياتنا ومودتنا وأحلامنا حيكت من رونق وورق لا يبلى وزورق لا يغرق لأن القبطان والبحارة خبروا الموج وجعلوه أليفا ودودا، والعمق ليس السحيق بل المساحة الواعية والهادفة ولا مكان عند أهل البلد أن يعطوا سمة دخول للخرف المبكر أو أية نزعة إلغائية، تبقى البلد بريشة من يحمل ريشة ولون وقلم وقرطاس وضمير ليس برسم البيع ونباهة تطيح بكل مساس بطهر وقامة ومقام مدينة، فكل قصيدة.. وان حملت حقيبة الحب فهو للوطن والمواطن والتوثيق ملتحفا عباءة سياسية توعوية وتنبيهية فلا تفريط ولا إفراط لا بالحقوق ولا بقنص ما ليس ملكنا. بنت البلد عصفورة طرابلسية التمست عند باب إمارة الشعر انتماء لا لجوءا مع مراعاة التنوّع بلا مفاضلة رقمية أو أوسمة مختلفة المعادن. بنت البلد كل تراثنا الاستمرار بثقافة العرب بتوقيع قلم مداده من ماء الذهب.

{ ما بين «أكتبي يا فلك» و«صورة شمسية لبنت البلد» ما هو القاسم المشترك بينهما وهل القصيدة هويتك الجديدة؟

- ما بين «اكتبي يا فلك» و«صورة شمسيّة لبنت البلد» هو التوأمة المتناغمة كتختٍ شرقي فيه التنوّع وإنما من مشرب واحد وإيصال الرسالة بكل أمانة، كالتكامل الموسيقي وحرفية كاتب ومهارة موسيقار وأداء مرتجى أن ينال حظا من القبول. في مقالتي كنت أنا «المحاولة» أن أقول بجرأة لا يخالطها أذى شخصي مثل باكورة مقالاتي بعنوان «كليلة ودمنة بالمقلوب» بلسان العرب وإنما بنمطية المبدع عبد الله بن المقفع وشخصياته الرائعة «بيدبا الفيلسوف ودبشليم الملك»، واستطعت بفضل الله سبحانه أن يصل الهدف المنشود والمرتجى... كنت السياسية التي تحاكي أوجاع الناس دون التصويب القاتل الدموي، بل أحيانا أشعر ان الكلمة الرشيقة والشفافة تعطي المفاعيل المقصودة، وفي الديوان الشعري كان المكمل لأبجدية تفاصيلها مختلفة بالظاهر وجمالية في المضمون ووحدة الكلمات تنام آخر الليل في صندوق الوجدان الهرمي، فالمجتمع لا يعمل عملا واحدا بل متنوّعا وإنما متكاملا مع باقي الأعمال. مروحة تتضافر للنجاح وباقة من ورود مختلفة العطور لكنها تأخذ علامة الجودة في مفرداتها وتنوّعها.. والجدير بالذكر ان كل قصيدة في الديوان لها لوحة فنية بريشتي تعكس مضامينها، وهنا يلتحم القلم والورق والحبر والريشة واللون كقصة الرغيف منذ القطرة الأولى لولادة السنبلة والبيدر والطاحونة الأنيقة والدقيق المجبول بعطر الأرض والفرن الحروق لا للتشويه بل لنضج الرغيف والحاجة إليه، مشوار ثقافة الحياة بالعمل التعاضدي. باقة شكر وعطورها المتأنقة للباحثة الجديرة والكاتبة المتألقة والمحترمة الأستاذة ضحى عبد الرؤوف المل على مبادرتها الميمونة لتسليط الضوء على ديواني الجديد الذي ارتقى بمعالجتها الماهرة وحرفيتها الخلّاقة. وكل التقدير لجريدة العرب والوطنية الأصيلة والمصداقية بين الحدث والواقع والتحليل الراقي درّة صحافتنا «اللواء» الإسم على المسمّى: لواء الكلمة الصادقة والحلّة الأنيقة والأقلام المرموقة.