لا انفصام بين الثقافة والصحافة. فبين الصحافة والثقافة فاصل وهمي يؤكّد ولا ينفي صلة الرحم بينهما وإن اختلفت الوظيفة وأدوات العمل.
فالصحافة، في نهاية المطاف، ظاهرة ثقافية أو مؤشّر على مستوى الحياة الثقافية، بالمعنى الشامل لكلمة ثقافة في بلدٍ ما.
ومن هنا خطورة دور الصحافة في نشر الثقافة: فإن لم تكن راسية في أرضها، معبّرة عن أهلها، راية للحرية وحصناً للديمقراطية وكرامة الإنسان، تحوّلت إلى نشرة لا تحمل إلى الناس إلا ما يؤذيهم في يومهم وفي مستقبلهم.
إنها مصدر اليومية للناس: معلوماتهم العامة، إلى حدٍ كبير، وبالتالي فهي تساهم في تكوين وعيهم وفي تحديد مواقفهم من السياسات في الداخل والخارج.
للإستشهاد فقط يمكن التوقف أمام صورة العدو الإسرائيلي كما تقدّمها السياسة العربية السائدة، عبر وسائل إعلامها عموماً والصحافة خصوصاً.
إن الإعلام العربي بكتلته العظمى «رسمي» أي «حكومي»، وإنه وإن كان يعبّر عن الحاكم ويجمّل رأيه إلا أنه قد أسهم وهو ما زال يسهم في صنع وجدان «الرعايا» ومفاهيمهم السياسية، ونظرتهم إلى الأمور، كما أنه قد زرع فيهم صورة غير دقيقة عن واقعهم وقدراتهم وصورة كاذبة ومزوّرة عن عدوهم لا يمكن تجاهل تأثيراتها خصوصاً وهي تترجم اليوم عملياً في خريطة جديدة وواقع سياسي جديد سيصعب تغييرهما إلا بنضالات أجيال آتية.
والثقافة ليست خارج السياسة، بل الصحيح أن السياسة تعكس إلى حدٍ كبير الثقافة السائدة، ومن هنا يمكن القول أن السياسة المعتمدة في لبنان تعكس واقع الحرب/ الحروب التي عاشها هذا اللبنان، كما تعكس واقع العجز عن مقاومة المشروع الصهيوني، على المستوى القومي، وتعكس أخيراً واقع التخلّف والتردّي الذي يعيشه العرب عموماً في ظل فرقتهم واقتتالهم الداخلي وافتقادهم الحد الأدنى من التضامن بينما العالم يتصاغر فارضاً على الدول أن تسير مع مصالحها في اتجاه التقارب والتكتل إنطلاقاً من الجغرافيا متجاوزة صور الصراع القومي وعداوات التاريخ، لكي تحافظ على دورة حياة طبيعية في ظل الاستقطاب الحاد وتحكّم قوة عظمى وحيدة بعالم نهايات القرن العشرين.
الثقافة أبعد من تحديدها التقليدي الذي كان يجعلها ركناً في صحيفة أو برنامجاً في التلفزيون أو فقرة في المادة المدرسية.