بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الأول 2019 12:03ص العروة الوثقى في العمل الثقافي

حجم الخط
يمرُّ المجتمع العربي كما تمرُّ ثقافتنا العربية بمرحلة صعبة تتعرّض فيها لمختلف أنواع الأخطار، مصدرها القوى المعتدية الدائبة العمل والتي لا تحتاج الى نظر عميق وجهد كبير لاكتشافها وتقدير أثرها وخطورتها، لذلك علينا أن نبادر الى استئصال هذه الخطورة التي تغرس في بيتنا العربي، ونزرع مكانها العزّة الوطنية والاباء العربي ونجابه هذه القوى بسلاح أمضى من سلاحها مجابهة واقعية صريحة، بذلك نكون قد حققنا الحماية والصيانة والسلامة لمجتمعنا وثقافتنا فضلا عن نضالنا لإحلالها الى جانب الثقافات المتقدمة في عالم المعارف الكبرى.

ومن المؤكد اننا نحيا اليوم مراجعة مؤلمة تشمل جميع المقدمات العقلية والأخلاقية والمادية التي استندت إليها نظمنا الاجتماعية. وهذا الوضع يستدعي حلولا إستثنائية وعلى أعلى مستوى من اليقظة وكذلك على أعلى درجات المسؤولية الاجتماعية.

نحن نعتقد انه لا يوجد على مستوى المجتمع مشكلة لا حل لها مهما بلغت خطورتها، وآفاق مسدودة لا سبيل الى فتحها. فلا يعدم مجتمعنا العربي قوى تغيير جديّة ومخلصة، فلقد زاد الوعي عموماً في هذا المجتمع بأهمية الخطورة وضخامتها وأصبحت شروط المواجهة ممكنة. كما يشهد هذا المجتمع العربي اليوم مراجعة فكرية شاملة تبرز في الجرأة على  طرح موضوعات جديدة. وهذه المراجعة التي يتسع لتشمل كل الميادين، هي في نظرنا الشرط الأول الذي لا بد منه لبناء الرد العربي وفقاً للمفاهيم العقلية والثقافية ولمخطط متكامل يحيط بالوضع بكليّته.

إن مجتمعنا العربي غني بإمكانات التقدّم، وهذه الإمكانات لا تتحقق إلا بقدر ما يتوافر له من وجوه القدرة الذاتية، الوجه العلمي والتكنولوجي، والوجه الخلقي والوجه النضالي التحرري والوجه البنائي الوطني، وهذا كله لا يتم بمعالجات جزئية متفرقة وإنما بتحوّلات جوهرية بمجملها تنتقل بمجتمعنا بوجه عام من وضعه الحاضر الى وضع جديد متميّز بالمنعة والفاعلية والإبداع. ومن الثابت ان العلم والخلق هما المصدران الرئيسيان للقدرة الذاتية. بالعلم نستكشف نواميس الطبيعة ونتقدّم ونترقّى في شتّى الميادين وبالخلق نوجّه مسلكيتنا في الحياة وأهدافنا الى غاياتها الصحيحة.

من هنا علينا أن نجعل العلم فاعلاً ومولداً في مجتمعنا، وقد أصبح ضرورة ملحّة لا تتحمّل أي إهمال أو تلكؤ، ومن هنا تقتضي التعبئة: تعبئة الموارد المادية والكفايات البشرية.

إن العقل فاعل ثوري بل هو أعظم الفواعل الثورية في حياة الإنسان وفي تاريخ الأمم. وإن التقدّم العلمي الذي ننعم به اليوم هو نتاج هذه الثورة العلمية التي فعلت فعلها في تطوير المجتمع الإنساني وفي بناء الحضارة، وها هي اليوم تستمر في انطلاقها العجيب الذي لا يقف عند حد.

إن ميزان القوى العالمية قد يتبدّل في السنوات القادمة وإن الظروف الدولية قد تتغيّر. ولكننا لن نستطيع أن نستفيد من أي تبدّل إذا لم نكن متسلحين بالتقنية والعلم، حاشدين كفاءاتنا ومجنّدين مهاراتنا وعقولنا لمعارك هذا العصر التي هي معارك عقل ومهارة.