بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 كانون الثاني 2023 12:00ص العقل والقلب!

حجم الخط
من المفارقات البشرية ان العقل (غير المروحن) شأنه أن يكون جرثومة الحروب وليس القلب أو حتى الغرائز التي قد تستخدم لشنّ الحروب. هذا ما تقيم بعض الفلسفة الدليل الساطع عليه.
لذلك، من الحكمة أن نؤمن بالقلب رغم تقلّبه! يمكننا أن نقتفي قلبنأ لأننا نثق به. الدساتير والقوانين وقواعد الحياة ليست بشيء إزاء ما يمليه علينا قلبنا. الإنسان يغدو إنسانا بذكائه ولكنه أساسا إنسان بقلبه. وما يراه القلب دائما يراه دوما قبل أن يراه العقل. بفضل القلب يتمكن المرء من الرؤية الصحيحة لأن الأساس يستغلق على عيون العقل. الفكر الكبيرة تنبثق من القلب. وللقلب معقولية لا تكنهها أنوار العقل. وعندما نتخذ قراراتنا ينبغي أن نستخدم قلبنا الذي منحناه الله كما انه منحنا أنوار العقل.
الأولوية إذا للقلب وليس للتدبير العقلي. النحو مثلا هو تقويم اللسان وضبط النطق وإتقان الكتابة السليمة من المعايب. ولكن تذوّق الآداب الرفيعة من شعر ونثر، هو الهدف وهو ينبثق أولا من محبتنا للغتنا الحبيبة. ليس القصد في تعليم النحو تكديس معلومات وقواعد في ذهن الطالب، قد يحفظها حفظ استظهار وببغائية، ويعجز عن الانتفاع بها في حياته كاتبا أو قارئا أو متكلما أو حتى باحثا. ولهذا نعتقد ان تذوّق الأدب ينبغي أن يسبق تلقّن قواعد النحو والصرف. ومتى استقامت السليقة البلاغية عند الطلاب بالحدس والمعايشة الأدبية وعبر الأهازيج، هان عليهم أن يهضموا قواعد النحو مهما استعصت، وأن يتبحروا فيها ما شاءت لهم المناهج المدرسية أن يتبحروا. ثمة شعراء مجيدون نظموا الشعر عن سليقة طبيعية وتلقائية عفوية، لا عن تطبيق جامد لقواعد العروض الصارمة وأوزان الشعر المقررة.
ان ما يصح في ما هو من اللغة يصح، بأولى حجة، في مجالات أخرى في حلبة الحياة المعيشة. ينبغي أن نعمل دوما للتوفيق بين العقل والقلب، ولكن الجفاف يكاد اليوم يأكل واحات القلوب، مما يتهدد حكمة العقل المدبر لمصلحة الآلة في أحسن الأحوال.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه