بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الثاني 2019 12:00ص «العنصرية كما أشرحها لابنتي» لـ الطاهر بن جلون خوف النّاس الفعلي

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
يثري المؤلف «الطاهر بن جلون» كتابه الصادر عن «دار الساقي» تحت عنوان «العنصرية كما أشرحها لابنتي» بالتجارب المتعلقة بالعقدين الأخيرين، وبدقّة متوخاة لفهم العنصرية المخصصة بالشرح للأطفال، ولا لحشريتهم وفضوليتهم في معرفة ماهية العنصرية التي يجب أن يبدأ شرحها للأطفال الذين لم تلوثهم الأفكار العنصرية دون أي تحيّز وبيقين إنساني يميل الى إلتقاط الرؤى المتعددة للعرق البشري «الكثير من التنوّع والتباين في تكوينه» فغالبا العنصري ميّال الى الهروب من مشاكله أو من مخاوفه النفسية التي تجعله يشعر باستمرار انه غير آمن، لانه ضعيف اليقظة وتصاحبه اللطخة العنصرية خاصة ان قامت تجاربه الحياتية على الانتهاكات التي شوّهت له الرؤية المجتمعية «فالعنصرية ليست موضة أو تقلّبا مناخيا أو حمى عابرة، بل هي جزء من كيان الإنسان، ولذلك يجب أن نعرف كيف تتولّد؟ وكيف تتمظهر وكيف نكافح أضرارها؟» فالحاجة ملحّة جدا لمحو العنصرية لتثقيف الأطفال ونقل الخبرات الصافية من التشويه الإنساني إليهم ليكونوا في مأمن من أضرارها، كما يجب عليهم فهم العنصرية القائمة على احترام الآخرين، وعلى قبول التنوّع والمتغيّرات وان الاختلافات في العالم هي الثروة الحقيقة القائمة على التفاعل. لهذا يحاول بن جلون وضع نظرية قائمة على صد كل وسوسات العقل العنصري، والتغلب على ردّات الفعل السطحية، لان العنصري يستغل خوف الناس الفعلي بل وأحيانا الرعب كما في الكثير من البلدان التي اقتتل فيها الناس مع بعضهم لأسباب عنصرية تسبّبت بالكثير من المجازر «فالعنصري شخص يعاني عقدة نقص أو عقدة تفوق، والأمر سيّان كون مسلكه في كلتا الحالتين سيقوم على الكراهية» فهل هذه المغامرة الاستكشافية موجّهة لابنته فقط؟ أم هي للأطفال ولكل البالغين الذين يضعون العنصر على الدرجة الأولى من اهتماماتهم؟

العنصرية لم تتغيّر من العصور القديمة حتى الآن إلا ببعض التفاصيل التي أظهرها بوضوح في شروحاته المبنية على موضوعية الفعل العنصر المجتمعي وعلى ذاتية الشخص المصاب بالعنصرية فتغيّرات الإنسان الذي كان أشبه بالحيوان في العصور القديمة كان خوفه مبني على التعدّي عليه أو التعدّي على حدود منطقته ولكن «لا يولد الإنسان عنصريا، بل يتحوّل إليها» وما تعلّمه الإنسان عبر المراحل الزمنية ليس بكافٍ لمحو معنى العنصرية التي تشترك فيه كل المجتمعات من الأذهان، فالعنصرية ليست فطرة نولد عليها إنما هي عقدة نقص أو عقدة تفوق «الأمر سيّان كون مسلكه في كلتا الحالتين سيقوم على الكراهية» فهل مفهوم العنصرية المعقد يمكنه مكافحته والإنسان ما زال يخاف التغييرات والتحوّلات واللجوء؟ أم ان شرح العنصرية هو الإجابات عن تساؤلات عميقة منها من هو العنصري وما الفرق بين كره الأجانب والعنصرية؟ 

الكتاب موجّه الى الأولاد والنتائج غامضة، لأنها لن تظهر إلا بعد ظهور الجيل الذي هو ما زال حتى الآن يبحث عن معنى العنصرية البعيدة كل البُعد عن القيم الإنسانية. فهل الغنى في التنوّع الإنساني وكل الكتب المقدسة ضد العنصرية، أم ان التمييز الإيجابي هو إرساء سياسة تربوية على العيش المشترك؟ في النهاية تبقى تساؤلات ابنته تمتدّ مع تساؤلات القارئ بمسارين توأمين، وفي كل جواب تكمن دوافع التساؤلات الأخرى وصولا الى الارهاب، وما بين التعصب والتشدّد والعنصرية نشعر بالفوارق التي تؤدّي الى الجحيم في مسرحية لجان بول سارتر. لنستعيد بعض التفاصيل العنصرية من الزمن القديم وأفعاله، وحروبه، وديمومة الصراعات فيه التي استمرت حتى زماننا هذا، إنما ضمن القوالب المحنّطة بمفاهيم الزمن الماضي الانعكاسية خاصة الخوف من الآخر، كما انه ما من بلد يمكنه الإدّعاء أنه خالٍ من العنصرية. إلا ان المتغيّرات بالعنصرية ضئيلة، لكنها ليست مستحيلة في المستقبل، وهذا ما يهدف إليه الكتاب من خلال التساؤلات والأهم من ذلك كله في الخلاصة التي تضعنا أمام الحقائق القائمة على مكافحة العنصرية، فهل حقا نحن نتميّز باحترام أي إنسان نمنحه الحق في الحياة الآمنة والمستقرّة؟