بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 كانون الأول 2022 12:00ص الفقر الثقافي وتحدّيات اقتصاد المعرفة

حجم الخط
تتوسع المفاهيم الذهنية في تحليل المعنى المعرفي للفقر الثقافي من حيث ايديولجية كل ثقافات دخيلة على اتجاهاتنا الفكرية، المؤيدة لفكرة الفقر الثقافي وتحديات اقتصاد المعرفة، فما هي المعرفة؟ وما هو الفقر؟ ولماذا الاقتصاد هو الصفة البارزة في التحديات القائمة على دلالات معرفية وسلوكية من شأنها تقديم تحديات قوية في الدول النامية التي تتعلق اقتصادياتها بالخامات الأساسية المنتجة اقتصاديا، لسلع استهلاكية تعتمد بالدرجة الأولى على اليد العاملة، بينما تعتمد الدول المتقدمة على ما تنتجه ذهنيا من صناعات أخرى من شأنها التوفير بالخامات واليد العاملة، وتوسيع رقعة المعرفة الثقافية بين أفرادها، لتتكوّن اقتصاديات مختلفة ترفع من الوعي المعرفي والثقافي، وتقلل من الفقر الذي يعشش في العقول قبل الأفواه الجائعة.
ان الثورة التكنولوجية أحدثت ثورة تقنية أعادت إحياء الطبقة الوسطى، وتميّزت بقلب الموازين المعرفية في أكثر الدول الغارقة بالفقر الثقافي، فقد فرضت شبكات التواصل العنكبوتي على البعض، القدرة على الاستكشاف الثقافي الأقل كلفة من السعي وراء الخامات الأساسية لتطوير ذلك، حيث بدأت تتغيّر المصطلحات المعرفية نحو المفاهيم الأكثر ديناميكية، وإنتاجا من حيث سرعة الانتشار، وما تقدمه هذه الوسائل من اختصارات زمنية ومكانية تتميز بتسهيل تقديم المعلومات الأقل توفيرا للوقت وللمال، وهذا أنتج نوعا جديدا من العوائد الاقتصادية التي فتحت مجالات جديدة في الحياة من شانها تطوير الإنسان، ومساعدته في تخطي الصعوبات للخروج من الأميّة التي كانت مفروضة عليه بسبب الجهل المعرفي في اتقان انتاجيات اقتصادية تعتمد على مدى الثقافة عند الفرد، إذا لم يعد التعليم وحده يكفي لتقديم المعرفة الثقافية في ظل هذا التسارع الهائل في تطورات التكنولوجيا القائمة على المعرفة بالدرجة الأولى، بحيث بدأت المفاهيم القديمة بالزوال تدريجيا، ليتهاوى المصطلح القديم لمتطلبات سوق العمل الجديد المحكوم بزمن معولم يتميّز بالتوفير الاقتصادي، وزيادة الكم النوعي من معرفة وثقافة واقتصاد.
ان الحداثة المعرفية حققت متاعب إضافية للدول النامية من حيث القدرة على تأمين وسائل التعلّم والتعليم، لنشر التوعية الثقافية القادرة على مواكبة هذا العالم المتسارع اقتصاديا، والمتنامي عالميا ونتيجة لكل ذلك كان لا بد من انطلاقة هذه الدول نحو رفع الوعي المعرفي، كما هو الحال في الهند حيث استطاعت تقديم تقنيات جديدة في رفع مستوى الطبقة الوسطى فيها، وجدّد الفكر الاقتصادي في بلد عانى من الفقر على أنواعه، وبشتى مجالاته الثقافية والتعليمية والاقتصادية، فهل يكفي هذا لمواجهة الفقر الثقافي واقتصاد المعرفة؟
ان الديناميكة المرنة في الفكر الإنساني تحتاج لتجدّد معرفي كل يوم، ليصبح قادرا على مواجهة تحديات الحياة التي أصبحت ضمن شبكة عنكبوتية تعتمد كليا على اتساع نظرة الإنسان لهذا العالم المتطور يوميا من حيث القدرة على التماشي مع هذا الأسلوب الحياتي الذي فرض تواجده على كل المرافق الحياتية دون استثناء، بدءا من الهواتف الذكية وحتى البيئة الشعبية التي نحيا فيها. إذ لم يعد يكفي في ظل كل هذا التعلّم القصير المدى خلال مسيرة الحياة، وإنما التجدد المعرفي كل ثانية، والتي تنشأ من متابعة كل جديد عبر شبكات الإنترنت التي تتصارع فيما بينها لتحقق نتيجة إيجابية في تحقيق مفهوم الاقتصاد المعرفي في العالم بشكل أوسع.
ان هذا المفهوم الجديد من شأنه التخفيف من نسبة الفقر في العالم، لأنه يعتمد على فكرة الاقتصاد، واتساع رقعة الثقافة التي تعتمد على رؤية تكنولوجية متممة لقاعدة الاقتصاد المعرفي الذي يمحو الفقر الثقافي، ويؤسس لفكر العالم المتكامل، والمتجه نحو التقنية واعداد البرامج التأهيلية المرافقة لبرامج التعلم مدى الحياة الثابتة في قولبتها، والمتجددة في مفاهيمها وتحدياتها، للنظم العالمية الجديدة التي وضعت نظريتها تقنية متسارعة فرضت نفسها بقوة.
يمكن استخدام الأفكار في وضع برنامج استثماري معرفي من شأنه أن يثمر معرفة تختصر كل مجهود جسدي، كان في السابق من الأساسيات في إنتاج يد عاملة تحتاج لرعاية ومال إضافي، عكس ما يحدث اليوم من اختصارات تعتمد فقط على المجهود الفكري والمعرفي، وعلى الغنى الثقافي المساعد في بث الوعي الاقتصادي للتنافس عالميا بين الدول، لرفع قيمة المعرفة في التأثير على خلق ثقافات جديدة ترفع من نسبة الاقتصاد العالمي، وتخفض من نسبة الفقر فهل سنستطيع محو الأمية الجديدة بالاقتصاد المعرفي؟.. أم ان الفقر الثقافي سيزداد نسبة لإنخفاض مستوى القراءة والقدرة على استخدام كل تكنولوجيا جديدة تحتاج لمعرفة من نوع آخر؟
ان فكرة الإمساك بناصية المعرفة المستدامة هي المحور الأساسي الذي تنطلق منه فكرة القضاء على الفقر الثقافي، المسبب لشلل مجتمعات بالكامل، وبعدها عن التقدم العالمي، والالتحاق بالركب التكنولوجي المتسارع، والمد العولمي المتعلق باقتصاديات المعرفة وأسسها التطويرية من حيث الكفاءات الذهنية والفكرية داخل القطاعات الاقتصادية التي تهتم بزيادة انتاجيتها النوعية والكمية، وتقديم الأفضل لخلق فرص عمل تعتمد بالدرجة الأولى على الثقافة المعرفية، والدمج بين الثقافات المنتجة لأفكار جديدة، ومتطورة يتم توظيفها في مجالات متعددة هي أكثر اتساعا، وبمثابة سوق عالمي يصدر عنه اقتصاديا معرفة تتعلق بانتاجيات الأفكار واستثمارها في تقديم كل ما هو أفضل للعالم.

dohamol@hotmail.com