بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تشرين الأول 2022 12:00ص الفن التشكيلي والتغيّرات المادية للمجتمعات الفقيرة

حجم الخط
يتعمق الفنان «مبونجاني بوتيلزي» (Mbongeni Buthelezi) بماهية المادة ودقة تناغمها مع الفكرة، ليطرح من خلال الفن التشكيلي، والتغيّرات المادية للمجتمعات الفقيرة القدرة الابداعية على استخدام تقنيات مختلفة في الرسم والإبداع البصري، المؤدّي الى خلق محاكاة تساهم في إيجابية النظرة للعوالم الفقيرة، وبفروقات دقيقة في الأسلوب والمضمون والشكل، والفراغات وحتى الألوان التي تذوب بفعل الحرارة، وتحافظ على ذوبانها في انضباط يمنحه «بوتيلزي» حيوية للسطوح، وللأشكال مسخّرا بذلك القطع البلاستيكية أو خيوط النايلون في الرسم معرّضا خيوط النايلون للحرارة اثناء الرسم، وبتناسب وتباين وإيقاع زاخر بالحركة والليونة، وإعطاء الحياة للوحة من القطع البلاستيكية التي يلملمها من القمامة ويعرّضها للحرارة، وبتماسك وتفاعل لتظهر كألوان في الوجوه والأيادي، والمواضيع المتعددة التي تتضمن جمالية وانطباعات حسية خاصة.
رسائل فنية إيجابية في جمالياتها من فنان تشكيلي هو من جنوب أفريقيا، ومن بلد يعاني الفقر وأزمات كثيرة، فالتذوق لهذا الفن هو بمثابة استكشاف لشعب يبحث عن الجمال من لا شيء بل! من قطع بلاستيكية أو قصاصات أكياس النايلون بمختلف ألوانها، وبفسيفسائية تثير الدهشة في عمقها ومعانيها، وأسلوبها الرشيق الغني بالمواد البلاستيكية المذابة التي استخدمها كبديل عن الألوان الزيتية وغيرها، وقد استطاع تحدي المادة اللونية وسعرها الباهظ بالبلاستيك أو أكياس النايلون، وضمن القياسات الكبيرة والمتوسطة وحتى الصغيرة، وصعوبة انسجامها مع القماش. إلا انه حافظ على معايير الحرارة والبرودة ونسبة ليونة النايلون في مرحلة ذوبانه والتصاقه، لتكون فوهة الحرارة الكهربائية بديلا عن الفرشاة التي استبدلها لصعوبة ثمن ألوانها وللتكلفة الباهظة للوحة، فهل الفقر وصعوبات الحياة الاجتماعية المتدنية تساعد في عمليات الإبداع؟ أم ان الإنسان قادر على تسخير كل ما في البيئة لصنع الجمال؟
ربما المادة التكوينية التي يستخدمها «بوتيلزي» في الرسم هي وسيلة للفت الانتباه، إلا ان الدقة التي تتميّز بها لوحاته الجذابة تثبت انه فنان قادر على ترجمة أفكاره بشتى الوسائل لاستخراج الصورة الواقعية من تخيّلات، وبفنية لا تخلو من مفاهيم رياضية وحسابية، وبنسبة جمالية تثير البصر، وتترك الذهن في حالة تأمل للمشهد الفسيفسائي، المتكوّن من قماش اللوحة ومادة البلاستيك، وتسخيرهما لمعالجة القضايا الاجتماعية والبيئية، ولكن مع منحها الأسلوب التكنيكي، وبمهارة تشكيلية يعكس تأثيراتها على عالم الفن التشكيلي بحيث لا يمكن وصف لوحاته، إلا بلوحة تشكيلية إبداعية ذات صياغة لونية فسيفسائية يتجاوز من خلالها الألوان الزيتية والأكريليك وحتى الفن المفاهيمي، وبإنشاء بنائي بصري استفزازي في تفاصيله التي تخضع لها مادة البلاستيك، وتوجيهات الحرارة بين يديه، وكأنه يرسم بريشة الحرارة والانصهارات الأخرى بشكل جزئي وكلي، وبروحية الأشياء المنتهية الصلاحية لإعادتها الى الحياة بنفع بيئي يساعد في خلق جمالية نشهد لها بالإبداع.
وعي فني في خلق الفكرة وتطويعها، لتكون ضمن لوحة ذات تأملات واقعية أو انطباعية أو حتى تعبيرية، إلا انها لا تخلو من خلفية تجريدية تميل الى الشعبية أو البيئة الفقيرة حتى بمضمونها المتناقض، وبتوشيحاتها الضوئية المحافظة على الظل وتوزيعاته المتوازية مع الألوان الداكنة والفاتحة مع منح اللوحة روح الفن الأفريقي وتضاده شكلا ومضمونا، وبتقاليد فنية خاصة كرّس لها المواد التي صنع من خلالها ثورته التشكيلية، لتوفير المادة من قمامة الفضلات البلاستيكية وكثافتها التي تكمن في بساطة التشكيل وتوزيع الألوان والخطوط أو التحديد، والتوشيح وضمن العلاقات المرتبطة بين اللوحة والمجتمع دون انحياز لعالم السود أو العالم الأفريقي، وبتوازن بين الفكرة الإنسانية الشاملة والفن المملوء بالحياة والثقة، والإيجابية في ترجمة الأحاسيس وموسيقاها بموضوعية تقبع في الأسلوب واستفزازه للبصر، فهل استطاع بوتيلزي التميّز بفن تشكيلي نابع من المجتمعات الفقيرة؟