بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الأول 2022 12:00ص الفن هو لعبة الأذكياء في محاكاة العالم

حجم الخط
ان الريشة والألوان وحتى سكين الرسم وغيرها من الأدوات قد يتحولوا الى سلاح بصري يسيطر من خلاله الفنان على العقول التي تغوص في سبر أغوار المعنى، لتعميق لحظة الانفعال المنبعثة من المولعين بعالم اللون والحركة الضوئية فيه، مما يعكس قوة في المفاهيم الفنية النابعة عن عقيدة جمالية تبحث عن قيمة الحياة أو بالأحرى قيمة الذات الملتزمة بإنتاج جمالي له أهدافه، وأساليبه الملتزمة بالمضامين الكامنة في العقل الباطن أو تلك الظاهرة منها. إلا ان الفن هو لعبة الأذكياء في محاكاة العالم، لهذا يكافئ النقد الفني المبني على التشجيع أولا، ومن ثم على تقييم المعايير والأسس الفنية المرتبطة بأحكام هذا الفن على رفع قيمة العمل الفني، إلا انها لا تستطيع منحه رغبة ارتفاع أسعاره أو وصوله الى العالمية، لأن للتسويق فنونه وأدواته أيضا، فهل من يهتم بتسويق هذا الفن بشكل عام في العالم العربي والاهتمام به، لينتقل الى العالمية ويدخل مزادات ضخمة، لتكون اللوحة العربية الأصل بطاقة دخول الى عوالم يسيطر عليها بصريا من المولعين بها أو من الذين يحتكرون الفنان ولوحاته، بل ويتلاعبون بمشاعره لقبول السيطرة عليه بالسلاح ذاته، وإنما هذه المرة للحفاظ على مكتسب مادي أو ليتبوأ مكانة معينة ان كان من جامعي اللوحات أو من الذين يتاجرون بها أو حتى من عشاق الفن أنفسهم، وهذا كله لا يحتاج إلا لاضطلاع على محورية الفن والأسس القائم عليها في العالم أو شبكته المعقدة التي يصعب فهمها أو حتى فك لغزها، فهل من أهداف ترسم مسبقا لكل هذا؟ أم انها مجرد هواجس لتحديد خطوات الفن، والتي تبدأ من الفنان نفسه ونوعية عمله الذي يقدّمه ليتلقّفه الوسيط وتبدأ لعبة الفن بفوارقه المختلفة، فهل من مستقر للفنان بعد ذلك؟
ان الفن بشكل عام هو عالم من عوالم أخرى له سلبياته وإيجابياته، وفيه كرّ وفرّ وخوف من عدم الاستقرار، مما يجعل الفنان محاربا كي لا يترنح ويسقط في متاهة لعبة تتركه صفر اليدين، أو تجعله دون رتبة يتدرج من خلالها المراكز الفنية التي يستحقها فعلا، أو تلك التي يتم التسويق لها، ليدخل بها الى المزادات الفنية أضف الى ذلك اكتفاء الفنان بما وصل إليه من شهرة واسعه، فيقف في نقطة واحدة، ليبدأ بالتراجع الى الحد الأدني قبل وصوله الى القمة التي تخوّله الى البقاء المسيطر على الآخرين، فيفقد سيطرته ويعود أدراجه الى نقطة الصفر، وتبقى لوحاته في بيئة صغيرة محيطة به فقط، فهل من أعمال فنية مرموقة وصلت الى العالمية من فراغ؟ أم ان أصحابها أدركوا أسس اللعبة ومقدرتها في أن تكون محط أنظار العالم الصامت الذي يتداول بها من وراء الكواليس؟
يؤمّن الفن قدرة على التخييل بشتى أنواعه وبالتالي هو بمثابة قنبلة موقوته، لكنه أيضا يستطيع بصريا التسرّب الى أكبر عدد من الناس، ومحاكاتهم بشتى اللغات التي تتناسب مع أفكارهم، وتكوين رؤية ينفرد بها كونه يعتمد على مفاهيم رياضية أو هندسية أو معايير لمزج الألوان أو غير ذلك من الوسائل التي تثير العقل، وتتركه في انفعالات يترجمها بعد تفكّر وتدبير، كما اننا نرى مشهدا جماليا من مشاهد الطبيعة في عدة فصول أو مشهدا من كوارث الطبيعة أيضا، فنتساءل عن كيفيته وماهيته وما الى ذلك،  وبتوافق مع الحواس التي قد تنفر أو تنسجم، وربما قد ترفض أو توافق، إلا ان المحاكاة تكون قد حققت وظيفتها واستطاع التحفيز، بل والسيطرة أيضا من خلال فكرة تركها في الفن الذي يمارسه، فما هي أبعاد هذه اللعبة والنتائج التي ترتكز عليها؟
ينطوي الفن على تعقيدات والتفافات وإيحاءات لا يمكن تذليل صعابها حتى بالتحليل، إذ يبقى لعنصر الغموض الجاذب سرّه الأكبر، وان كانت المقاييس والمعاير لها الأهمية الكبرى في ذلك، أي الحفاظ على النسبة الذهبية والتمسّك بها، لأنها تعمل على بث المزيد من أسرار الغموض، ليبقى الفن بكل مقوماته داخل متاهة (الداخل إليها موجود والخارج منها مفقود)، ان بالعرض والطلب أو المزايدات أو الدخول الى الأسواق الفنية العالمية غير المسموح المعرفة بها بشكل واضح ومستقر، لانها تعتمد على لغة الأذكياء في العالم وهي الفن.