تستكشف الفنانة التايوانية «سويو كزين» (Su Yu-Xin) العوالم الطبيعية المحيطة بنا، وفق الإيقاع البصري من أجل فهم السياق الجمالي ومسارات تطور اللوحة، إذ تسلّط الضوء على التصورات المبنية على الحس الفني والتخيّلات المتفاوتة في مدى تعقيداتها لتأليف خطوات فنية ذات نغمات مختلفة الأبعاد في الدرجات والتطلّعات المفتوحة على الأبعاد المرئية، والميل الى خلق جماليات اللحظة التي ترسم فيها وفق مسافات ضوئية تختارها في مواقيت محددة، لتكوين تصوراتها عبر السطوع، لتوليد طبقات على أسطح مختلفة ضمن ديناميكية الإيقاعات الثقيلة، والخفيفة على الريشة تحديدا بمعنى خفّة اللون وثقله عند تغلغلة في الريشة، ليتم توزيعة بليونة أو ثقل تدمجه مع إيقاع الحركة الخاصة، باحساس موسيقي تختزنه حواسها الميّالة الى الخلق التشكيلي المتخذ من الطبيعة انطلاقا له. فهل انطباعاتها المعاصرة في الرسم التشكيلي تولد من احداثيات التجربة الفنية الإنسانية التي تمزجها بمعطيات الفن التشكيلي الحديث؟ أم انها تبني من الألوان عوالمها التجريدية ذات الانطباعات المعاصرة؟ وهل جماليات اللون الأزرق والأبيض في لوحاتها لها خاصية الراحة النفسية ومؤثراتها؟
تتعرج الخطوط وتتكسر في لوحات الفنانة «سويو كزين» وتميل إلى التذبذب بين درجات الألوان، وكأنها تتراقص مع موسيقى حسّية ذات مسارات بصرية تتعرج، تترنح، تتمايل، تتكسر، وتتجه نحو بعضها البعض، لتتعدد أزمنتها وأمكنتها قبل أن تسكن بين مساحات تضيق وتتسع تحت ضغط تأثيرات الريشة المحملة بوزن الألوان الخفيفة والثقيلة قبل أن تتجزأ مع المناظر المفتوحة على حس طبيعي، وفق إسقاطات بصرية تمنحها الكثير من النبض الموازي لنبض الضوء المتغلغل في ألوانها المتنوعة بين البارد والحار، وما بين الشروق والغروب، لتتأثر التصورات التشكيلية بالتجريد المرتبط بقوة الشمس عند الغروب وضعفها عند الشروق، بمعنى تناقض الشروق والغروب في الألوان الحسية وشفافيتها في ترجمة أحاسيس اللحظة، وما بين السطوع والجفاف يمثل التكوين قيمة الزمن وتغيّرات الضوء بين اللحظة واللحظة قيمة الخلق أو قيمة وجود الأشياء منها الإنسان وكل ما يتجسّد من بناء فني هو ترجمة إدراكية لوعيه وما يختزنه من جمال في ذاكرة احتفظت بتصوراتها اليومية في لوحة فنية ولدت من ريشة سويو كزين.
تتخذ «سويو كزين» من الألوان نقطة بداياته قبل أن تبدأ بمزجها على قماش اللوحة، لتنظم إيقاعات تعرّجاتها أو خطوطها وفق قيمة كل لون ينشأ، وهي تداعبه لثوانٍ، ليترقق أو ليتكثف وفي الحالتين تدمج بين المعطيات البصرية الفريدة في تصوراتها، وبين قدرة اللون على التمدد والتلاشى، وكأنها تقف على الأمواج اللونية، لتخضب بفعالية خطواتها ضمن التموجات، والأخرى التكسّرات الناشئة عن قوة الإيقاعات أو العكس عن التقاطعات بين الفواتح والغوامق، وما ينشأ عنها من رسومات تخطيطية تشبه الى حد ما جغرافيا طبيعية أو تضاريس وهمية لونية أو حتى صحراء نابضة بالألوان المعاكسة، لترسبات هي تطورات أسلوبية تتزامن مع المواد الملونة الثقيلة والخفيفة، والتي ترزح تحت نظام فني هو ضغط انطباعي لجيولوجيا بصرية تبتكرها، لتضفي على لوحاتها انطباعية معاصرة ذات حداثة فنية تثير الاستمتاع البصري، والتمتع بموسيقى التشكيل. إذ ترتكز تأثيرات الألوان على أشكالها أولا، ومن ثم على جيولوجياتها ما بين علو وانخفاض، وحتى ارتفاع وفق تصورات تجرّدها، لتبقيها ضمن كيميائية الإحساس بنبض حي، وهو الوجود بجمالياته الذي يقترن في لوحاتها مع الضوء غالبا، وضمن الأنسجة اللونية الفريدة في التشكّلات والانطباعات والواضحة في أسلوبها الميّال الى التطلع نحو ذاكرة حواسها باستمرار، كأن ترى المشهد وتحتفظ به في ذاكرتها، ومن ثم تسترجعه انطباعيا، لتترجمه وفق كل الألوان القابلة للطي كما الكثبان اللونية والضوئية، وبحيوية التبادل الحسي بينها وبين الريشة. فهل يمكن القول أن الفنانة «سويو كزين» تقدّم جغرافيا كثبانية عن تصورات الأشكال في الطبيعة عند ولادتها البكر؟ أم أنها تحتفظ انطباعيا بتصوراتها البيئية والحياتية في عمق اللوحة؟