يلتقط القاص والطبيب المصري «أيمن الداكر» من الواقع سردياته التي من شأنها أن تؤثّر على تعديل القيم بإيجابية توثّر على أحكامنا، وبتنوّع سردي إغوائي له بُعده الجمالي وتعقيداته التأويلية والتشويق، بقوة عاطفية شديدة المشاعر تظهر مدى تأثّرنا بالمجتمع الذي يكتب عنه «أيمن الداكر»، وهو عضو اتحاد كتّاب مصر، عضو الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، صدر له أربعة كتب، ثلاث مجموعات قصصية (قلب صعيدي، شجرة الرمان، عمامة خضراء) وكتاب (هوامش على دفتر المحروسة)، مجموعة مقالات عن تاريخ مصر القديم. نشرت أعماله في العديد من الصحف والمجلات الثقافية في مختلف الدول العربية، شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية واللقاءات التلفزيونية. ومعه أجرينا هذا الحوار:
{ هل تعيش بالفعل الحدث القصصي، وهل شخصياتك مستوحاة من أشخاص حقيقيين؟
- ليس بالمعنى الحرفي للكلمة، فكل شخصية روائية بالتأكيد لها أصل حقيقي قد بعثت منه، سواء صفة جسمانية أو سمة إنسانية، أو حتى فعل قامت به للحظات ثم اختفت، وصعيد مصر يشبه كثيرا حارة نجيب محفوظ، يزخر بالشخصيات التي تكاد أن تكون أسطورية من فرط تفرّدها في صفاتها وسماتها، وقد نشأت في هذه البيئة التي يمثل «الحكي» فيها عادة يومية، بل ضرورية لقتل الوقت والتغلّب على مشاق الحياة، من حكايات الصغار تحت ظل شجرة لحظات الاستراحة في موسم جمع «الدودة» من القطن، حتى حكايات الشياب حول دمسة النار في ليالي الشتاء الطويلة، وهدهدة الجدة لحفيدها في الليالي القمرية، وقد نهلت كثيرا من هذا المعين الذي لا ينضب.
{ تشدّد على ديناميكيات التفاعل الاجتماعي بإيجابية نظرة القاص بنهج معاكس، لماذا؟
- دور الكاتب هو رصد التفاعل الاجتماعي في بيئته وما حولها، والقصة القصيرة هي لقطة مكثفة لذلك التفاعل، أراها كومضة برق لا تغفلها عين سليمة، وأظنها قادرة على إحداث ردّة فعل إيجابية في المجتمع، لا أتخذها وسيلة للنصح والإرشاد فذلك غير مقبول في الفن القصصي، لكني أتخذها قطعة حجر تبعث الحياة مع قليل من التوجيه لتموجات المياه في اتجاه إيجابي.
{ قصصك جعلتني أتساءل عن العلاقة بين الفعل الإنساني ورواية القصص، فهل هي استكشافات لما اختبرته في مهنة الطب؟
- لا أبالغ إذا قلت إنه بداخل كل طبيب أديب، فنحن نلتقي بالنفس البشرية في حالاتها الفطرية، لحظات القلق والخوف الذي يرقي لدرجة الهلع، ولحظات السعادة والفرحة القادمة بعد يأس شديد، لحظات قوتها وضعفها، لحظة ميلاد دمعة رغم أنف صاحبها، لحظات تولد فيها الحياة من رحم الموت، كل ذلك يهذّب النفس ويثير فيها لحظة تأمّل تدفعه للتعبير عنها بكلمات منمّقة ومرتبة في صورة بيت شعري أو بناء سردي جميل، وأظن ذلك دأب كل فرد يعمل في مهنة يغلفها الطابع الإنساني.
{ يتوافق السرد القصصي مع الحبكة المروية لواقع يشكّل مساحات حقيقية للقارئ، هل تعيد رؤيتك للإنسان المكلل بالمثل العليا؟
- «هناك شيء جميل» كلمات كنت أرددها دائما لنفسي في لحظات الحزن واليأس، وما أكثرها في رحلة اغترابي داخل الوطن وخارجه، فكانت بعض كتاباتي هي اجترار لتلك الأيام وما أفتقده فيها خاصة في مجموعتي القصصية الأولى (قلب صعيدي)، لكن أظن أنني استطعت التخلص منها في مجموعتي الثالثة (عمامة خضراء)، حيث معاناة أبطالها من كم الزيف الذي ترضخ تحته أوطاننا.
{ أيمن الداكر وصدق التصوير القصصي، كيف تحافظ على الحبك باختزال سرجي له جماليته الخاصة؟
- أشكرك على هذا الإطراء الجميل، أنا أكتب لأنني أستمتع بذلك الفعل، أتعايش مع أبطال حكاياتي، يصيبني الهم لأحزانهم، وأرقص طربا عندما تنفرج أساريرهم. أحب البساطة في التعبير بعيدا عن اللجوء للكلمات المتقعرة النادرة، وأرى أن الكتابة هي حوار خفي بين الكاتب والقارئ يجب أن يتحلّى بالكثير من الاحترام المتبادل.