بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 شباط 2023 12:00ص القراءة الجوهرية للعمل الروائي

توني موريسون توني موريسون
حجم الخط
تكشف القراءة الجوهرية للعمل الروائي عن حقيقة القراءة الموضوعية الملتزمة بالأسس العملية لبناء العمل الروائي بعيداً عن التخييل الذاتي، وإعادة تكوين العمل الروائي تبعا لمتخيّل القارئ وذاكرته غير القادرة على الاحتفاظ بكل تفاصيل العمل الروائي، وإنما يمكنها الربط بين البناء الجذاب والآخر الهش تبعا للتسلسل وللتشويق أو لما هو متناقض مع أفكار القارئ أو منسجم معه، وفي الحالتين تتطلب القراءة الإعجاب بالفكرة، وبالنقاط المهمة المثيرة لكل قارئ، وتبعا للقيم التي يلتزم بها دون تحيّز للكاتب وعلاقته بالنص، وبتلقائية تثير الفهم وتستفز الذهن وتحظى بالإعجاب المطلق بالكاتب بل وبالبطل وردود أفعاله. فهل من التزام في الأسس الجوهرية للقراءة عند كل قارئ؟ وهل تحتفظ ذاكرة القارئ بالعناصر الأساسية للعمل الروائي? أم أن القراءة هي متعة التخييل الخاصة بكل قارئ؟
تختلف القراءات باختلاف مستويات القرّاء من قارئ عادي الى قارئ يمارس تعليم النصوص وتحليلها، أو قارئ يستثمر النص لإثارة مخيّلته، وخلق عدة شخصيات من شخصية واحدة مثل «مدام بوفاري» و«الأمير الصغير» وغيرها من الروايات التي تسعى الى خلق شخصية فريدة من نوعها تسمح بخلق شخصيات أخرى مضادة تنبثق منها وتتعارض معها مثل روايات توني موريسون أيضا أو ايتالو كالفينو. فهل يمكن للكاتب أن يكون قارئا أولا لعمله بعيداً عن الإنعكاس الذاتي والانغماس بالتصور الفعلي للبطل المظلل بالكثير من الشخصيات الثانوية والمكملة للبناء الروائي؟
يستخدم الروائي القارئ كعنصر فعّال من عناصر البنية النصية خاصة عند مخاطبة القارئ ضمن الرواية نفسها، وقد تختلف المخاطبة بين روائي وروائي، إلا إن ما تشترك به أغلب الأعمال هو مشاركة القارئ للكاتب في القرار المهم الذي يمكن اتخاذه لتحديد مسار البطل أو الأحرى الشخصية الرئيسية في الرواية، وقد تختلف المصطلحات بين عزيزي القارئ أو أيها القارئ، إلا أنها تتشابه في كثير من الأعمال الروائية على مرِّ العصور، وتصل الى حد الاستهزاء بالقارئ السيىء لاكتشاف الصدمات التي يمكن احداثها بالمتلقي على كافة مستوياته أثناء قراءة العمل أو الأحرى توقّع ذلك. فهل يتطور القارئ أثناء القراءة؟ وهل يمكن اعتباره الشخصية الخفية التي يجب على الروائي الإهتمام بها؟ وماذا يتوقع المؤلف من القارئ في حال ابتعد عن الذاتية المفرطة أثناء كتابة العمل الروائي؟
ان الروائي الممسك بأوتار السرد كالمؤلف الموسيقي الممسك بالنغمة، والقادر على الاهتمام بالسلّم الموسيقى وما تعنيه المقطوعة للمستمع، وبالتالي ان قدرة الروائي على تذوّق عمله الروائي تبدأ من قدرته على الإمساك بأنواع القرّاء، وصولا الى التحليل النفسي، والتخفّي ما وراء النص، بل وتحطيم الأوهام التي يقع فيها القارئ من خلال تسلسل الأحداث ونمو الشخصيات، بل والكشف عن القوة التي يبارز بها المؤلف القارئ والإصرار على وضع الاختيارات أمام القارئ، لاكتشاف كنه الشخصية والتحاور معها ضمن ما يسمى المحاكاة الساخرة في العمل الروائي. فهل نأى كتّاب هذا العصر عن ذلك أم أن المحاكاة الساخرة هي بصمة الرواية الواقعية غالبا؟ ومتى يمكن أن يتماهى القارئ الحقيقي مع الكاتب?
ان ضمير المخاطب في الكثير من الروايات تشهد على حُسن القراءة الجوهرية التي يتقنها القارئ، وهي الوسيلة الحقيقية التي يستدعي بها الكاتب القارئ الى الداخل، ويجعله في حالة من الاستجواب مع الشخصية الرئيسية أولا، ومن ثم الشخصيات الأخرى دون الاحساس بالضعف أو التراجع الى الخلف، لترك القارئ وجها لوجه مع الشخصيات، وبالتالي دمج القارئ الحقيقي بالعمل الروائي واكتشاف حيلة الكاتب، فلا يستطيع أن يتراجع إلا بعد استكمال فعل القراءة كقارئ ضمني يعتمد على معرفته الشخصية في الاستنتاج والتحليل. فهل يمكن اعتبار «دون كيشوت» الشغوف بالفروسية هو القارئ الذي وقع ضحية الكاتب؟ أم ان الكاتب نفسه وقع ضحية فعل القراءة الجوهرية لأعماله؟