نجح مسلسل «إنحراف» رغم إمكانياته الإنتاجية الضئيلة نوعا ما في تقديم مادة دسمة في رمضان 2022 والقائمة على الإثارة والجريمة، واللغز القائم على انحراف النفس البشرية عن مسارها في مجتمعاتنا العربية بعيداً عن التقليد أو عن الإقتباس الدرامي من مسلسلات أخرى. فقد اعتمد كاتب المسلسل السيناريست «مصطفى شهيب» على الأرشيف والملفات في عالم الجرائم والقتل، وضمن فكرة الطبيبة النفسية «حور» الذي قدّمته الممثلة روجينا بأسلوب بسيط يميل الى العفوية التمثيلية أو التقمص السلس، فـ«الحدوتة» أثارت العديد من التساؤلات أهمها: هل العدالة تحتاج لحور فعلا لنكتشف بعض التدليس الذي يحدث فيها؟ أم أن تطبيق العدالة يستحيل تماما في ظل الكثير من الخبث في النفس الإنسانية؟...
مع الكاتب مصطفى شهيب أجرينا هذا الحوار:
{ مصطفى شهيب بين الكتاب والدراما، هل يسرّك أن ترى حركة شخوصك أمامك درامياً؟
- بدأت الكتابة منذ أكثر من عشر سنوات، صدر أول كتبي في مصر وأنا بعمر الثانية عشرة. وبعد ذلك تابعت الكتابة والنشر، فبلغ عدد كتبي ستة، وأيضا كتبت بعض المسلسلات الإذاعية. وكتاباتي غالبا اجتماعية وبعضها كوميديا سوداء وموضوعات إنسانية تناولتها غالبا في المقالات والقصص. وقد حققت نجاحا عند الشباب، ربما لأني كاتباً قبل أن أكون سيناريست، لأنها تعبّر أكثر عن الشباب ولغتهم وحياتهم، والمسلسلات الإذاعية منحتني خبرة الجملة المنسابة والجميلة في الحوار، وقد لاحظت أن أغلب كتّاب السيناريو لا يهتمون بالحوار بشكل كبير وإنما بالأحداث، وهذا ساعدني على بناء الحوار بشكل يرضيني ويرضي الجمهور، ومكّنني من تقمّص كل شخصية لأعرف طريقة كلامها وحوارها. فالعمل الإذاعي قائم على قوة الحوار، لأننا لا نرى وإنما نسمع فقط. لكنني كنت سعيداً بالأعمال الإذاعية لأنها تحمل هدفاً. لكن عندما اشتغلت مع الفنان الكبير «محمد صبحي» تقريبا في ثماني مسرحيات قصيرة عبارة عن مشهد أو مشهدين، والمسرحية قائمة على فكرة الحوار والديكور واحد مدتها تقريبا أربعين دقيقاً، هذا عكس الدراما ومرونتها في فكرة انتقال المشاهد المتعددة من ليلية ونهارية وداخلية وخارجية، والتغيّرات في الديكور، هذا سبب لي بعض الإختلاف وسهولة في الحوار وفي سرعة الإيقاع الدرامي. أما فكرة أن أرى الشخوص أمامي فكرة جميلة ومخيفة، لأن الشخصية التي تخيّلتها ظهرت أمامي بشكل ما أبهجني. فشخصية «حور» كتبتها منذ عام 2016 فعندما بدأت بالفكرة والمعالجة في مسلسل «إنحراف» وعدد حلقاته الأولية لم أتخيّل أن الفنانة «روجينا» هي التي ستقوم بلعب دور حور فيهم. ولكن عندما كتبت الحلقات المتبقية كنت أكتب وبقية الأدوار أمامي كدور الفنانة بوسي والفنانة سميحة أيوب وهم التزموا بالحوار وهذا أسعدني.
{ خرجت عن القوالب النمطية في الدراما البوليسية هل أعتبر هذا نوع من التحديث؟ وهل ارتباط نص مسلسل «انحراف» بالواقع المصري تحديداً هو استحضار لمرحلة درامية قادمة؟
- المسلسلات المأخوذة عن دراما أجنبية أصابتني بعقدة لأنها لا تشبهنا. وغالبا قائمة على العصابات وتجارة النساء، ولا أشعر أنها تشبهنا لأننا لا نعيشها في الحقيقة. كان الأفضل لي الكتابة عن أحداث محلية ومن مجتمعنا ومن صفحة الحوادث ومن أرشيف المحاكم وحكايات المحامين وغيرها.. وقد كتبت في بداية المسلسل أنه مستوحى من أحداث حقيقية. ربما هذا نوع من أنواع التحديث وليس التحديث بمعنى التمرّد على القوالب الأجنبية التي لمسناها في أغلب المسلسلات كالمأخوذة من التركي والاسباني أو الأميركاني فأين خيالنا ومجتمعنا فانه مملوء بالقصص؟. مرحلة درامية قادمة لا أدري ولكن العمل الناجح غالبا الناس تقلّده. أعتقد أن في الفترة القادمة سيحصل هذا، لكن حاليا الفكرة المطروحة هي كتابة الجزء الثاني من مسلسل «إنحراف»، لكن ما زلت أفكر في ذلك.
{ ما الذي تريده من المشاهد أو القارئ على السواء؟ وهل هذا نوع من مواجهة المجهول في واقع يتقدم وينحرف؟
- أقدّم للمشاهد حدوتة واقعية حدثت فيها نوع من الإستمتاع والترفيه، وبنفس الوقت تعصف ذهنيا وتمنحه نوعا من تحفيز الذكاء والتفكير بما سيحدث. فما وصلني عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شخصيا من تساؤلات عن من قتل فلانة؟ أو من قام بفعل ذلك؟.. ولم أقل للمشاهد أن يقتل مثلا لأن نهايات الأشرار كانت نهايات سيئة جدا. لكن قدمت له نوعا من أنواع الجريمة، لأظهر له مدى الخطر في المجتمع، إضافة انني قدمت وجبة ترفيهية يستطيع من خلالها تشغيل ذهنه وفيها من الألغاز ما يجعله أن يحاول اكتشاف الحقيقة وأن يخمن. فالعامل الرابط بين كل الحوادث هو في غلط الحكم الأولي عليها. وهي جرائم ناس تحايلت على القانون. فاللغز فيها هو أن لا نحكم على شخص ما وهو بريء أو العكس وهو بمعنى عدم الانجذاب مع عواطفنا ومشاعرنا.
{ انحراف الظل يؤدّي الى التشتت ما الذي قصدته من العنوان؟ ولماذا هذا النوع من الكتابة البوليسية؟
- العنوان هو ما أقنعت به الممثلة «روجينا» بطلة العمل قبل الإعلان عن المسلسل بساعات، ولم تكن مقتنعة لآخر لحظة. لأنها كانت ترى أنه عنوان صادم وهو فعلا صادم ويعبّر عن محتوى المسلسل، «إنحراف» هو انحراف الطبيعة البشرية عن مسارها. عندما تنحرف الطبيعة البشرية عن مسارها ينحرف كل شيء، لأن الإنسان وُلد لفعل الخير مع الناس كحفظ الحقوق وغيرها. فبعد ملايين السنين من الحضارة التي عشناها من المفروض أننا تعلّمنا احترام الآخر، وأن نكون الأفضل، فلا نكذب ولا نقتل ونحفظ حقوق الآخرين ونلتزم بالعهود، ولا نشهد الزور وهي السلوكيات الجيدة. لكن أنا أرى بعد ملايين السنين من الحضارة أن النفس البشرية انحرفت بشدّة، كالأحداث في مسلسل «انحراف» فالدكتورة انحرفت عن مسارها الطبي، وبدأت تعاقبهم بطريقتها الخاصة. فالخطأ ومعالجته بخطأ آخر هو انحراف، وأنا لا أشجع البطلة «حور» أبدا. لكن فوجئت واستغربت من التعاطف معها من قبل المشاهد عندما تم القبض عليها ونسوا أنها قتلت، فقد اعتبروا أنها أخذت حق الناس. لكنها أخذت حق الناس بطريقة غلط. وتشجيع الانتصار للخير ولو بطريقة غلط هو مؤشر خطر جدا.