بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الثاني 2023 12:00ص اللحظة الحاضرة!

حجم الخط
نقيم في أنفسنا وقلّما نقيّم (تشديد الياء) أنفسنا. نعجز عن رصد اللحظة الحاضرة من حيث هي من المقدسات الوجودية. ولكن، هل تعبر هذه اللحظة حتى تمسي شحنتها قابلة للشك والجدل؟
الحياة استذكار. فماذا عن اللحظة الحاضرة التي تعبر بنا بل نعبر بها عبورا يتعذر التقاطه؟ ان ما يزعجنا فعلا ليس اننا لا نسعد أبدا وإنما شعورنا بان السعادة جد عابرة.
يظن من لا يجيد فن الطهو ان من الرعونة أن يمضي المرء ساعتين في إعداد وجبة طعام ليلتهمها خلال دقائق معدودة. ولكن فن الطهو قائم فعلا عبر وجبات معينة وعلى الرغم من تلاشي مفاعيل الطعام المباشرة بعد حين تماما كرقصة الباليه أو ارتشاف القهوة.
تتألق اللحظة الحاضرة كلمعان صورة فورية، ثم تهجع لتعود فتتفجر في أعماق نفوسنا اللامتناهية ذات يوم، لأن الذات بحر لا قياس له ولا أوزان.
يتميز الإنسان، في ما يتميز به، بأنه يعيش في حالة وعي ما للحظة التي هي متهيئة أبدا وعابرة على الدوام. انها متفاوتة الهبوط على قلوبنا المتقلبة تحديداً. وهكذا، ان جلّ ما نطمئن إليه هو اللحظة العابرة، ومن الحكمة أن نستخرج من حديقتها المتجددة زهور التجربة. ذلك ان أطر التجربة قائمة في فجر وعينا البشري.
اللحظة الحاضرة لا تعبر. نحن الذين يعبرون. نستعيدها بفضل التذكّر وما إليه من تحسّر وندم أو اشتياق وحنين. قد نلقى فيها خلاصنا عبر فلسفات الكائن الوجودية وليس فلسفات الخبر المملى علينا. الكائن، وحده، ليس مغلقا، انه يقابل الجماعة. الجماعة كامنة فيه وهو ينطلق من ذاته إليها. لا مناقبية إذا فيه وحده ولا سياسة في الأمة وحدها.
اللحظة العابرة تستقرُّ في مصادرنا ومراجعنا التي قد تذكر آباءنا في بطون مطولاتها. منطلقاتها في ذواتنا تدوم مهما تقادم عهدها. وشأنها أن تجعلنا نتجاوز ثنائياتنا الساحقة أو أحادياتنا الماحقة. فيا أيها النافذون، يا أهل كهوفنا، هلا انشأتم أجيالنا على المحبة ليغدو كل منهم آخذا ومعطيا في الوقت عينه، سائرا على دروب ماضي الأيام الآتية في الولاء التام لوجه الآخر في الإنسانية؟

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه