بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 أيار 2022 12:00ص باولو كويلو ومنعطفات الحكمة في الحياة عبر روايته «رامي السهام»

حجم الخط
يقارب الروائي «باولو كويلو» بين فن الرماية وفن العيش في واقع حياتي معقّد يمكن أن نجتازه كما يجتاز رامي السهام صعوبة تحديد الهدف والوصول إليه، وبالتالي يجبرك «باولو كويلو» على العودة لقراءة الصفحة أكثر من مرة مذهولا بالفواصل التي تفرض الاستراحات البصرية الممتدة وفق فراغات لا تقلّ أهمية عن التأملات، وبتنسيق يتلاءم مع معنى كل فقرة يقدّمها مع كلمة أولى بلون مختلف هي افتتاحية لها معنى أيضا في حال جمعنا هذه الكلمات مع بعضها البعض ووضعناها في جملة نستخلصها هي حكمة أيضا. وبالتالي تمنح الوقت للكثير من التحليلات قبل المضي قدما في قراءة تعبيرية عن النفس التي تصاحب رامي السهام هذا، فكل فرد منا هو رامي في الحياة، ولكن هل يتقن اللعبة فعلا وان اتقن اللعبة هل يستطيع استخراج حكمتها من لعبة أخرى؟ وهل ولادة كل فقرة من الفقرات كسهم يطلقه لنتعلّم منه حكمة ما؟ أم ان التمكّن من بلوغ الكمال ممكن في الحياة دون تضحيات أو مغامرة تنتهي ببلوغ الحكمة؟ وما هي القاعدة المتينة التي يجب أن يقف عليها الإنسان قبل أن ينطلق للعبور في الحياة بتحكّم ذهني يحتاج الى صقل وبصيرة تمكّنه من تحقيق ما هو الأفضل؟

يعكس «باولو كويلو» الحالة النفسية على روايته «رامي السهام» الصادرة عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بالتالي هو يوحي بعبور الحياة كما السهم الذي يصيب الهدف على مسافة طويلة وفق سهولة مساره أو كالذي يصيب الهدف بسهم اخترق صعوبات عبر مسافات قصيرة، ولا يمكن بذلك أن يتعادل «تتسويا» مع الغريب وهما من الشخوص المهمة في هذا الكتاب، ومع ذلك لا يمكن أن نتشارك مع الآخرين فرحة وصولنا كما هي الحال في فرحة القوس والسهم، لأننا لا يمكن معرفة صفاته وعيوبه ما لم نتعرّف عليه في مشوار لا يقلّ أهميه عن مشوار تتسويا مع رامي السهام. كل هذا يجعل القارئ يتساءل هل الصفات والعيوب التي امتلكها تحتاج الى تدريب مختلف، وبالتالي الى مشوار حياتي مختلف مع صحبة لا تقلّ حكمة عن رامي السهام؟ وهل الكاتب هو فعلا رامي سهام يقف على أرض متينة ثقافيا زاخرة بالتدريب المستمر على تصويب الهدف من خلال الكتابة؟ ومن هم حلفاء الرامي أو من هم حلفاء الإنسان في الحياة؟ وهل الحكمة تقتضي ضبط النفس كما القوس عندما يحتضن السهم قبل إطلاقه «لأن الرامي الذي يتبع الطريق لا يحتاج الى قوس أو سهم أو هدف».

فهل يعيد «باولو كويلو» قصة الخضر والغلام، ولكن عبر السهم والقوس ورامي السهام؟ وهل اكتشاف المعرفة المختزنة في داخلنا تحتاج لمن يستخرجها من خلال رحلة تعليمية هي مجرد مهارات قد نمتلكها وقد تكون مفقودة أصلنا وغير موجودة فينا؟

نمو معرفي يتشكّل أمام القارئ عبر المقاطع التي يفصلها عن بعضها البعض عبر الرسومات التوضيحية أو النصوص البصرية المرسومة، لتشكّل المعنى المفتوح على عدة نقاط أبرزها المهارات الأخرى التي تتقاطع مع فن الكتابة، ولكن هي مقروءة بصريا أيضا، وبالتالي فتح البصيرة في الحياة يحتاج الى تأمّلات وإيجاد حلفاء آخرين ليس بالضرورة أن يكونوا من رماة السهام «لأن طريق القوس لا تختلف عن أي درب أخرى مسلوكة بحماس». في مجموعة فقرات بشكل روائي إيجازي يختصر بأسلوب ممتع طريق الحكمة أو نبوءة مسار الحياة من خلال القوس والسهم، وفلسفة السهم حين ينطلق وهو ضمن المسار المحدد له، والمبني على فهم وقوة مُطلق السهم الذي استطاع الوقوف على أرض متينة تمكّنه من الرمي بمهارة المتعلم من كل شيء يمرُّ به في حياته. فهل القوس هو الحياة فعلا؟ أم أن تحقيق الهدف عبر السهم نابع من قوة القوس واليد التي تتحكّم به؟ وهل مسار القلم يحتاج الى معرفة قوية نشدّ وترها كما يشدّ الرامي وتر قوسه؟ وهل يد الكاتب تتحكم بها رغبته أم قلمه والقوانين الكتابية المرتبطة به؟ تساؤلات لا بد أن تستوقف القارئ وهو مع رامي السهام الذي فرض صحبته «باولو كويلو» بذكاء ذي اسقاطات متعددة كالسهم هو النيّة «انه الأداة التي توحّد بين قوة القوس ومركز الهدف»، فهل التكافؤ في الحياة يحتاج الى تعاضد من كافة الأفراد بغض النظر عن اختلاف اتجاهاتهم كالخباز والدهان والرسام والعالم والكاتب؟ وهل خصوصية التفرّد تأتي من الصبر والقدرة على التعلّم من الأشخاص الكفؤ في الحياة؟ وأين نتعلّم وماذا نتعلّم قبل أن ننطلق في الحياة؟ وهل رامي السهام جعلنا نسير معه لنتعلم منه الحكمة برؤيته الرصينة للأهداف التي يمكن أن نحققها في الحياة؟