بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 آذار 2023 12:00ص بين الحقيقة والواقع!

حجم الخط
كل الأشياء تتغيّر. كل شيء يجري ونحن لا نستحمّ مرتين في النهر نفسه. كل شيء في الأرض فانٍ والتاريخ تاريخ فناء. الله وحدَه لا يتغيّر. ثباته وفاؤه. اخلاصه لذاته. لذلك يحتضن الإنسان في كل أزمنته حتى يزول الزمان. الله هو إياه.. لا تحوّل فيه ولا صيرورة. تحرّكه محبته، يحبّ بدافع من صميمه. من قدراته نحيا. نتعثر كبشر ولكننا على وحدة مع ذواتنا. لذا، نسير ونثبت معاً. نحن زمان لا يخلو من روح أو نحن روح ليست في معزل عن الزمان.
نتلقى الكمال في إطار فهمنا ونحن في مسعى متفاوت من التوفيق بين الحقيقة والواقع. تطويع الحقيقة لواقعنا يتحوّل إبادة أو استبدادا. وإخضاعها للمطلق الفلسفي قد يجرّدها فيفصلها عن كل شيء، وخصوصاً الإنسان، في حين ان شأنها أن تنقذ قلبه، الذي تتفاعل معه وترقّيه إلى ذرى الصفاء. ذلك اننا، في عمق أعماقنا، لا نجيء من العالم ومادية العلاقات. الروحيون قد يقيمون في سجن هذا العالم أو على هامشه وخصوصاً في المجتمعات المتخلّفة، ولكنهم هم الذين يحافظون على العالم.
القدرات المادية فارغة رعناء وتبقى آنية وفي الإمكان تسخيرها لكل شيء. تنطلق منها أمراض الأنا الفردية أو الجماعية المتوارثة أو المعارضة. المؤمنون الموسميون الظرفيون السطحيون ومَن وراءَهم يحولون دون تقدّم القيم الدينية والطائفية خطوة واحدة شطرَ الحب والعدالة، وهم يحكمون ولا سيما في مجتمعاتنا «النامية على زغل».هذه هي السياسات التي تبني أمجادها الوهمية على فساد وإفساد.
معظم انتماءاتنا الطائفية والمذهبية وامتداداتها الخارجية مبنية على الجهل أو التجاهل لقِيَم الروح وحتى الروح الوطنية الحقة. هكذا يبقى عدد من «مسؤولينا» في إطار من البيئة الحاضنة لظاهرتنا الصوتية الجوفاء. ونحن نردّد في أحسن أحوالنا ترانيم أمة خرساء تنتابها هيجانات موسمية لا طائل تحتها، فأين نحن من بساطة النفوس النقيّة.. وليس بساطة العقول الساذجة؟ أين نحن من العطاء المجاني وفرح اللقاء؟ أين سلامة الصفات والصدق في التعامل والمثالية الواقعية؟
زمان عدد من القيّمين على قيم الروح بات وعاء وليس نوراً يشعّ. المسؤولية الروحية خدمة وعدل ومحبة. لا يحمل المسؤول رسالة بل يتجلّى هو نفسه لرسالة لا تبطره النعمة وسعة العيش وحتى الاستزلام أو الاستعلاء.. فإلامََ هذا يا جماعة الخير؟!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه