قطع المجتمع اللبناني أو علی الأصح شرائح كبيرة منه مسافة شاسعة في عملية التأقلم مع حالة اجتماعية حلّت به تختلف كثيراً عن حالة كان يعيشها.
فما مضى قد مضى وما حصل قد حصل.
وهذا يذكّر بطرح اجتماعي طرحه لأحد المفكرين الاجتماعيين في الغرب عن نظرية (التسييل) بمعنى ان الإنسان يملك من القدرة على التأقلم بحيث يشبه السائل الذي يأخذ شكل الوعاء الذي يوضع بداخله.
لكن المشكلة ان هذا التأقلم ليس طوعياً بل هو قهري بامتياز، بحيث ان الحالة التي استجدت لا يد له في تكوينها وإنما كوّنتها زمرة سطت وسرقت وسمسرت واختلست بحيث أفرغت خزينة الوطن من محتوياتها وحوّلتها إلى ما وراء البحار لاستثمارها هناك بما يتناسب من هواها وغاياتها وتركت الوطن يُعاني من مشاكل العوز والفقر والحاجة وجميع أنواع البلاء..
وتعمّ مظاهر هذا التأقلم كافة مناحي الحياة اليومية تقريباً، فعلي سبيل المثال لم نعد نرى في حركة النّاس في الشوارع تلك الغزارة من أعداد العاملات الأجنبيات في المنازل والسبب ان راتب الواحدة منهن بات أكبر من راتب صاحب المنزل حيث تعمل.
وتغيّر الكثير من العادات الاجتماعية، فحتى صبحيات سيدات المنازل على قهوة الصباح لم تعد الأحاديث خلالها عن زواج فلانة وخطبة فلان بل أصبح محورها عن الطعام والأكثر توفيراً منه على أن يكون صالحاً ليومين.
وكذلك في مجال التنقل فازداد ركاب الباصات كبيرها وصغيرها بعد أن باتت أجرة السرفيس يحسب لها حساب.
وصار المريض في حديثه مع طبيبه يطلب منه وصف الدواء الأرخص وزرع رب المنزل في رأسه آلة حاسبة وهو خارج من منزله مع لائحة الحاجيات المطلوبة ليتحايل على الأرقام والأوزان والأنواع.
كل ذلك لم يكن اللبناني يفكر به لغاية انكشاف المستور ورفع الستارة عن العصابات التي تحكم البلد بأسلوب ثعلبي مخاتل دنيء..
أوصلوا النّاس إلى درجة ما تحت الفقر ولم يرف لهم جفن وما زالوا يكابرون ويغسلون أيديهم من الوطن وأهله.