بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 شباط 2021 12:00ص تاريخية الصورة الصحفية ومصداقيتها

علي سيف الدين علي سيف الدين
حجم الخط
إن توثيق اللحظات المصيرية تاريخيا تحتاج لأمانة عالية، ودقة تفصيلية مرئية بعيداً عن الخيال السلبي، بمعنى إن بعض الإضافات على الصورة الفوتوغرافية لا يعني السماح المس بمصداقيتها، فالشهادة الفوتوغرافية تعين على فهم الحدث بعد مرور زمن عليه، وبرؤية تصويرية ذات عناصر تقنية تلعب دوراً رئيسيا في حياة المجتمعات، وهي من أقدم الممارسات التي تنافست معها حاليا صورة الهاتف الخليوي، إلا أن المصور الصحفي «علي سيف الدين» يؤمن بالمصائر القدرية العالقة ضمن قضايا يعرفها جيله، ويجهلها الجيل الجديد، ولكن تاريخية الصورة الصحافية دائما تعيدنا إلى البحث عن الحقائق الموجعة، والمختلفة عن معظم الأشياء التي عرفناها أو تلك التقليدية التي تهيمن مؤثراتها على النفس البشرية بصريا أو الأحرى من خلال الصورة الفوتوغرافية التي تضعنا وجها لوجه أمام القضايا الإنسانية المحقة، وبالتالي تجدد الحدث، وتجعله بين هلالين قيد المطالبة به في كل حين مثل صور أم عزيز التي فقدت الأبناء، وطالبت بإيجادهم ولاحقتها عدسة المصور الصحفي «علي سيف الدين» حتى النهاية إلا أن غادرت الحياة ولم تجد الأبناء الأربعة الذين فقدتهم مع الكثيرين من الأبناء الآخرين. فهل تلاءمت عدسة الفوتوغرافي «علي سيف الدين» مع الظروف والتصوّرات التي كانت سائدة آنذاك؟ وهل شاركت تاريخيا بحفظ الحدث الخاص بامرأة فقدت أولادها وحملت لواء المطالبة بإيجادهم وماتت قبل أن تجدهم؟

إن فهم الهوية المهنية، ولحظية قوتها الضوئية والإنتاجية تشكّل نوعا من التحدّيات الزمنية التي تعيدنا إلى لحظة التقاطها، وكل المؤثرات المحيطة بها، كما أنها تمثل الجوانب الإخبارية والمعرفية بشكل يتناسب مع القضايا التي تطرحها الصورة، وتعيد طرحها في كل لحظة نراها فيها، ولا سيما سياسياً واجتماعياً، كقضية المخطوفين أو الذين اختفوا في ظروف غامضة، رغم الاحتفاظ تاريخيا بالصور الإعلامية التي رافقت هذه القضية، إلا أن التركيز على صور «أم عزيز» التي ما غابت عنها صور أولادها المخطوفين أو الذين اختفوا في ظروف غامضة وبقيت القضية برمّتها مجهولة الأسباب انخرطت في التوثيق التاريخي، وأصبحت الصورة هي الشاهد على امرأة ناضلت في مراحل عمرها المختلفة، بل وحتى الموت في سبيل إيجاد الأبناء، كرواية واقعية جعل منها «علي سيف الدين» نسخة فوتوغرافية تاريخية وإنسانية، مما يجعل من الصورة وسيلة لاكتشاف تاريخ الحدث، بل وبترسيخ لقضية القضايا في زمن الحرب اللبنانية، وتشكيل الجوانب المختلفة لحركة ساعدت في اكتشاف مسار المرأة التي ناضلت لمعرفة مصير الأبناء الأربعة، وبنهج وثائقي تصويري يعزز الاحساس بالقضايا المحقة وبالهوية الوطنية. فهل صور أم عزيز كانت لجمع المعلومات وتخزينها فوتوغرافيا أم رواية تصويرية فوتوغرافية يمكن أن نقرأها بصريا من خلال الأرشيف الخاص بها مع علي سيف الدين؟ وهل يمكن اعتبار هذه الصور شهادة لوعي تاريخي مصدره عدسة المصور الصحفي الذي تابع القضية فوتوغرافيا؟

إن معالجة أغلب النقاط البارزة في قضية صور أم عزيز تحبس الأنفاس، لأنها ليست الوحيدة من الأمهات اللواتي فقدن أبنائهن، بل هي الأكثر لوعة، ربما لأنها فقدت الأبناء الأربعة، وهذا يتضح جليّا في صورة تحملها باستمرار لأربعة رجال تطالب بإيجادهم وترافقها الكثيرات من الأمهات، مما يفرض النظر إلى الصور التي تحكي قصة هذه المرأة ببراعة من البداية إلى النهاية، بمعنى بفترات عمرها من الكهولة الى الشيخوخة مع التقاط الاضطرابات النفسية التي رافقتها الحزن، البكاء، الانتظار، المتابعة بمأساوية أجلستها على الطرقات، وبدرامية بصرية ذلّلها «علي سيف الدين» تصويريا لتفسير حاجتها القصوى لإيجاد أبنائها، وبموضوعية تصويرية ذات وعي تاريخي، وبموثوقية عالية للغاية. فهل يمكن إعادة بناء الظرف التاريخي لهذه الصور من حيث أهميه معرفة أين اختفى أبناء أم عزيز؟