بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 حزيران 2018 12:02ص تجارة الأخبار أو تجارة الأسرار قراءة في رواية «جزء مؤلم من حكاية» للروائي «أمير تاج السر»

حجم الخط
تتميز رواية «جزء مؤلم من حكاية» الصادرة عن «دار نوفل»  للروائي «أمير تاج السر» بمزيج من التركيب الفني النابع من تهجين الخيال المعاصر بالتاريخ واهمية بث الاخبار والأسرار، وارتباطها بعالم الجريمة لما تحمله من خير او شر، وفي كلتا الحالتين الواقعية السحرية في روايته هذه اعادتني الى بدايات الفكر السوسيولوجي في الرواية، وبمغناطسية سحرية تجذب القارىء نحو لا نهاية  الوصف والتحليل لشخصية تميل نحو العزلة، وسماتها تختلف بميولها نحو القتل والاعتداء والسرقة والتمائم، والانحراف الاجتماعي ما بين السيطرة والعدوانية والاستسلام للذة القتل التي تشعره بالنشوة، فالتطرف في كل شىء هو نوع من الشر الذي يصوره «أمير تاج السر»  في روايته «جزء مؤلم من حكاية»  بأسلوب نفسي في شخصية ذات ذكاء متوسط. الا انها تمتلك جاذبية خاصة رغم افتقارها للضمير الانساني في مملكة قيرالشبيهة بالكثير من البلدان التي تعتبر من بلدان العالم الثالث  او حيث ترتفع فيها نسبة القتل والجرائم المجهولة الاسباب،   فالامر المؤلم في الرواية هو أن تكون قاتلا ولا تعرف لماذا تقتل؟ وما الاهداف الاساسية لذلك؟ 
رواية اسطورية وملحمية في بعدها التاريخي، ومعطياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتلاحمة مع بعضها.   فأبطالها من الشخصيات ذات الصفات السايكوباتية  بوجهين متناقضين في الحياة، وببراعة نفسية معقدة في تباينها السلوكي  مثل المريد مرجان الذائع الصيت في قدرته على بث الاخبار، وفي الوقت نفسه هو الملثم الليلي الذي يغتصب الاطفال ويتاجر بالأخبار والاسرار، وما شخصية ديباج الا النفس الامارة بالسوء،  وهو المجرم الاكبر في الرواية المرتبطة بأنواع افرادها المزروعين في بيئة  معيشية ما هي الا مملكة قير، المكان الذي خصصه لغموض وظيفة القتل او اراحة الاخرين من الاولين. فهل يحاول «امير تاج السر» اظهار سيرة الاولين  من المجرمين ولعنتهم التي تلاحقنا او التي احتفظ بها العالم الثالث وضعفه وعدم قدرته في محو الجرائم؟  
تعقبد داخلي في نفس الشخصيات التي استكشفها «امير تاج السر»  بانصهار ذاتي. لابراز الخفايا والعواطف الروحية لمن يسرق الارواح من الاجساد بدم بارد او بلذة  سادية  تحركها نوازعها غير المنظمة تنظيما اجراميا، فالجريمة المنظمة هي عالم لا يمكن الدخول الى أسراره ما لم نفكك كنه الجزء المعقد منها او العودة الى اسسها واسبابها واهدافها،  والتي منحها خاصية طفولية ذات خلل نفسي «نحن نرى أطفالنا  ما حسن من السلوك البشري  ولا نريهم القبيح» فتفكيك البراءة في الرواية  هي لتجسيد الشكوك المتخيلة في الشخصيات وتعقيداتها  دون التراجع عن الحقائق النفسية الملازمة لديباج او لتجريد القاتل من سذاجة يتصف بها  بشكل عنكبوتي يرمز الى هلاوس النفس دون احتكار للسرد وتقطعاته المختلفة للسيطرة على الاحداث، وبانسياب سردي يميل الى الغموض في كثير منه، وان بدا وضوح الشخصيات ومعاناتها كجزء من اللعبة الروائية التي التزم بها «أمير تاج السر»  في هذه الرواية الحادة والغارقة في المكائد الغامضة. اذ لم تعرف اسباب الجرائم التي قام بها الابطال الا في نهاية ساخرة هي جزء من حكاية التاريخ الذي يعيد نفسه فعلا من معركة هزم نابليون بونابارت فيها الاتراك في البحر الى ابو قير المنطقة البحرية المصرية  التي تتصل بطيبة الفرعونية،  وهي ممالك لاسر فرعونية قديمة وكأن شخوص روايته خرجوا من جدران الكهوف او من اثار في ارض الصحراء او من زمن في مجتمع اسطوري ما زلنا نحمل جيناته في دمائنا . فهل يعيدنا «امير تاج السر»  الى الزمن الذي يعيد نفسه بسخرية الواقعية السحرية؟ 
يضعنا «امير تاج السر» على حدود العوالم لمواجهة الحقائق،  وبتقنية سردية تحبس الانفاس، وان اختلف اسلوبه في الشكل الفني الروائي الذي تعودنا عليه في رواياته السابقة. الا انه احتفظ بالدهشة في نهاية الرواية،  وبهويات الافراد الاجتماعية الذين ينتمون للحكاية،  وفي خلق الحدث الى ابعد من الوقائع وتصوراتها والقدرة على الخيال المرتبط بالشخصيات مثل كمانه وغيرها، وخفير والمريد مرجان،   وبحدث حدد زمنه عام 1750 وبكل تشكلاته  وحساسيته ووقته الخاص في مملكة قير وسياقها الزمني والتاريخي الذي يحتوي في الوقت نفسه على الشخصيات ورؤيتها الشعبية الهشة حتى فيما يخص الامير كرم ولائحة الحقراء التي تضم اسماء المشتبه بهم في الجرائم، والعلاقات الاجتماعية فيما بينها وضمن نظام نفسي معقد من التأثر الزمني في جزء من حكاية هي الحدث الذي يحدث في جزء من زمن تشكل فيه المجتمع المريض والمتنوع بتنوع المرأة ومعاناتها ايضا. ووضعه ضمن الواقع المدرك والشخصية المحورية حامل الرسالة ومرسلها.  اي المرسل والمرسل اليه وعلاقته بالجريمة او الجرائم التي ينفذها بقلب بارد والمستوحاة في جزء منها من قصة طرفة العبد في حمل الرسالة القاتلة له، وبأبعاد نفسية تجعل القارىء يتفكر الف مرة بالكثير من الاحداث التاريخية التي تمر في مخيلته، وتستنبشها ذاكرته وهو يقرأ رواية تمثل في نهايتها صدمة مؤلمة لطفل رأى الجريمة وتفاعل معها وتأثر بها، ومضى ينظمها بقلب بارد ليعيش ذكرى طفولة مستمرة تعيد المشهد مع شخصيات يختارها لتموت  بيد حامل الرسالة الذي ينتهي به المطاف الى القتل او توقف الزمن عند معرفة الحقيقة وادراك الخطأ. فهل يحاول «امير تاج السر»  في روايته اثارة الانتباه لاهمية الطفولة في المجتمعات النامية،  الهشة والضعيفة والمهددة بالانهيار الكامل. خاصة وان تلك المجتمعات البشرية المتخيلة في الرواية هي المحرك الاكبر للاحداث.  كما ان النسيج الوجودي لشخوص مريضة نفسيا هي اسس المآسي في الاحداث من حولنا. لهذا هو يدفعك لقراءة الرواية مرة اخرى  بمتعة وبانتباه شديد للطفل الذي يختبىء فينا وفي ابطاله الروائية.
 
dohamol@hotmail.com