بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الأول 2022 12:00ص تطهير الذاكرة العربية من خلال الأدب الروائي

نجيب محفوظ نجيب محفوظ
حجم الخط
تترجم الرواية الواقع بأسلوب يختلف غالبا من كاتب إلى آخر تبعا لرؤيته العميقة في قراءة مجتمعه أو المجتمعات الأخرى بتعبير فني يميل إلى تكوين علاقات مع شخصيات هي في الواقع من صنع المؤلف الذي يسعى الى إضفاء مثالية على بطل أو على الأبطال هم في واقع ينتمي إلى حيوات قرأها بفكر متخيّل ومحسوس، من حيث قوة الحياة الإجتماعية ونسيجها القوي أو الهش، محاولا فك الرموز التي تستعصي واقعيا على الإنسان العادي، وبوصف اجتماعي هو تصوير مثالي غالبا أو رومانسي شديد التأثر بالمفهوم الاجتماعي لبيئة المؤلف كما في أعمال بلزاك وهو تحليل اجتماعي مغمس بالحكمة أو التحليل الاجتماعي المرشد للقارئ، وكما في أغلب الروايات الحديثة مثل روايات توني موريسون، فماذا عن روايات بروست, جويس، فيرجينيا وولف، ألفريد دوبلين، فولكنر أو روايات رشيد الضعيف والأرق الذاتي في تكوين الهوية الاجتماعية أثناء الحرب الأهلية وما بعدها, وإظهار خيبة الأمل لجيل ينتمي إليه. فهل التغيير والتقدم الاجتماعي يحتاج لفن روائي مصقل بالأهداف الحديثة؟ أم أننا في ظل الكوارث الاجتماعية فَقَدْنا البوصلة الروائية الحديثة؟
الفساد والفقر وقمع الحريات في روايات حديثة كتبها نجيب محفوظ بأريحية عن المجتمع الذي بدأ الإنفتاح، وبحميمية جعلته أكثر ارتباطا مع الأحياء الشعبية والفقيرة دون أن يتغيّب عن السياسة في عصره أو حتى عن الدين، وكتب إحسان عبد القدوس عن المرأة في المجتمعات العربية بتحرر مهيب بعيداً عن الخيال, وضمن جداريات مكتوبة ومتحركة ما زالت تمثل الفترة الاجتماعية والسياسية آنذاك، فماذا عن جمال الغيطاني أو محمد السلماوي وغيرهم من الكتّاب الذين استطاعوا خلق صورة اجتماعية عن البنية الحياتية في فترة عربية مهمة بعيدا عن الخيانة الروائية ان صح التعبير؟ خاصة من حيث الرؤية الأوسع والتي تشمل الفترات السياسية التي تغطيها الروايات الحديثة, فماذا عن روايات ما بعد الحداثة؟ وماذا عن فقدان البوصلة الروائية حاليا لرؤية معضلات الانهيارات الاقتصادية، وتأثيرات الوباء والحجر الصحي على الأدب بشكل عام؟ وهل استطاع الأدب الروائي العربي تقديم الحقائق الاجتماعية بعيداً عن التشوّهات السياسية وغيرها كما في روايات خالد خليفة؟
ربما في البحث عن البوصلة الروائية الحديثة التي بدأت مع نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وحتى رشيد الضعيف في جزئية ما من الذاتية التي تبحث عن الأنا في ظل التوترات الاجتماعية، والتغيّرات المفصلية في الحياة كان لا بد من الدخول الى روايات الربيع العربي والثورات، وما جسّدته من انتقادات لأنظمة ثورية ولأحزاب، ولموازين القوى في دول أطاحت بالرؤساء وتذبذب العيش فيها، ودخلت في متاهات التشدد الإسلامي والدواعش دون تقديم أي رؤية عميقة للأحداث أو حتى زرع التساؤلات عن المستقبل وما هو متوقع فكريا من أدب روائي استطاع في الماضي حثّ القارئ على التحليل الاجتماعي من كافة جوانبه, وعلى فهم المراحل التاريخية للبيئات الاجتماعية كافة مع الحثّ على الإنسانية التي تقود العالم إلى الإنفتاح والتآخي بعيدا عن التشدد الروائي الذي حصد الكثير من الروايات عن داعش وأحداث سوريا وليبيا ومصر وصولا إلى روايات أصابتنا بالتراجع والتقهقر الروائي العربي، لأنها تمسّكت بنقطة واحدة وهي استبداد بعض الأنظمة بعيداً عن إمكانية رؤية الجوانب الإيجابية فيها كما فعل بلزاك في انتقاداته الاجتماعية المتوازنة بتحليلات افتقدناها حاليا. وان ضمن فيما يسمى ما بعد الحداثة أو الأصح تطهير الذاكرة العربية من خلال الأدب الروائي الذي يحقق انتفاضة تعيد لنا البوصلة الروائية الحقيقة وقوتها في الدخول الى التاريخ المرصّع بالأسماء الخالدة.